يوميات صائم .. الإيمان والعلم
15 رمضان 1431
د. خالد رُوشه
لا شك أن المناهج العلمية التي تغفل جانب الإيمان مناهج ناقصة لا تولد لنا إلا مسخًا مشوهًا من الطلاب الذين حفظوا كمًّا من العلم ... ولكنهم لا يجدون رائحته ولا يتصفون بصفاته, فهم وبال على الحركة الإسلامية خصوصًا, وعلى الأمة الإسلامية عمومًا, ذلك أنهم يحصِّلون العلوم مذاكرة بقلوب لم يعمرها الإيمان والعمل لله, ولذلك فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أمثال هؤلاء تحذيرًا شديدًا جدًا لمن تدبره, ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : (من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) أبو داود.
 
وقد يقع بعض المعلمين في خطأ إذا توهموا أن مجرد طلب العلم والأمر بحفظه ينشئ الإيمان والعبادة ؛ إذ إنه قد يكون في بعض الأحيان مورثا لا للخشية, بل يورث الكبر والمراءاة وغيرها من الأمراض القلبية التي لا يستهان بها, بل إن الله سبحانه وتعالى قد بين التلازم بين العلم والخشية فقال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28].
 
ولو كان كل العلم بغير تعهد وتلازم مع الإيمان ينفع لما استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع, فعن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها) أخرجه مسلم
إن الأمة الإسلامية بحاجة إلى طلبة العلم الربانيين والعلماء الربانيين المخلصين الذين يسبق إيمانهم علمهم ويسبق إخلاصهم عملهم.
 
ولذلك فينبغي على المعلم التدقيق في مسألة تعلم الإيمان والعبادة مع العلم وألا يجعل من مجلسه مجلس تدريس فحسب, وإنما ليكن مجلسه مجلس إيمان وتقوى وعبادة قبل أن يكون مجلس علم وتعلم .
 
وليحذر المعلمون والمربون أن تنقلب مجالسهم إلى مجالس غيبة أو نميمة أو فحش أو بذاء ؛ لأنهم بذلك يرسخون في قلوب طلبتهم استباحة الذنوب والآثام بدعوى العلم والتعلم.
وكذلك الدعاة الذين تنقلب مجالسهم إلى مجالس غيبة بحجة نقد الآخرين, فالله يعلم تهافت حجتهم وفساد طريقتهم.
 
قال الإمام الذهبي رحمه الله: قال عبد الله الوراق: كنت في مجلس أحمد بن حنبل, فقال: من أين أقبلتم؟ فقلنا: من مجلس أبي كريب, فقال: اكتبوا عنه فإنه شيخ صالح. فقلنا: إنه يطعن عليك. فقال: فأي شيء حيلتي, شيخ صالح ابتلي بي؟
 
وقال: كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون, نحو خمسمائة يكتبون والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت( سير أعلام النبلاء )
والحق أنك لا تكاد تجد معلمًا صادقًا أو مخلصًا أو طاهر القلب يستبيح في مجلسه تلك المفاسد إلا أن يكون مريضًا بمرض يلزم شفاؤه منه وإلا تعثر أشد العثرات وخلف لنا جيلاً من الطلاب يحملون أخطاءه ويكررونها على أنها صواب مسَلم به!!