يوميات صائم ... رمضان عالم أرحب
15 رمضان 1431
ترجمة وإعداد : شيماء نعمان

 بقلم الكاتب الأمريكي المسلم : إيبو باتيل

المصدر : إذاعة ناشونال ببلك راديو

جاءنا رمضان هذا العام في شهر أغسطس، وقد اعتدت على أن يكون شهر الصوم لدى المسلمين في الخريف؛ غير أنه نظرًا لكون شهر رمضان يتبع التقويم القمري- الذي يتراجع نحو عشرة أيام في كل عام- فإن استعدادات ما قبل صلاة الفجر (السحور) هذا العام مبكرة بينما وجبة الإفطار في الغروب متأخرة. وهو اختلاف كبير عن روتين حياتي المعتاد يوميًا.

 
فعادة أبدأ في التفكير في فنجان القهوة الثاني قبل أن أنتهي من فنجاني الأول ؛ وعندما لا يمكنني أن أقرر اختيار وجبة حلوة أم مالحة لإفطاري فإنني أطلب الاثنتين. ... ومثل معظم الأمريكيين من الطبقة الوسطى، إذا كنت في حاجة إلى الشاي المثلج في فترة ما بعد الظهيرة، فإنني أتوجه لشراء عبوة منه. إنني أعيش على أرض الرغبات الصغيرة المتتابعة ومعظم هذه الرغبات تدور حول الطعام والشراب. تناول الطعام هو الوسيلة التي يمضي بها وقتي، وأخطط بها يومي.
 
لكن شهر رمضان يمثل منطقة أخرى ,  ومثل أي تجربة في مكان آخر ، فإن الاختلاف الأكبر ليس في تغيير المشهد الخارجي بل في التغيير الذي يعتري رؤية الشخص المسافر.
 
إن نظام حياتي تهدأ وتيرته خلال رمضان ، وأجد نفسي ألاحظ أشياء لم تكن لتلفت انتباهي في أوقات أخرى، كما اشعر بالترابط على نحو عادة لا أشعر به.
فألاحظ النظرة المفعمة بالأمل في عيون الفتي الذي يبيع زجاجات المياه في منتصف شارع "ويسترن أفينيو". وأسير ببطء شديد لدرجة لا تسمح باستخدام "عذر أن لا وقت لدي" مع السيدة التي تبيع الصحف على جانب الطريق؛ فأتوقف عندها وأشتري صحيفة وأسألها عن حالها.
وأذكر أنني في أحد أيام رمضان أثناء دراستي بالجامعة؛ كنت قد انتهيت من محاضرة بعد الظهر وشعرت حينها أن طاقتي تنفذ بشكل سريع وبدأت أشعر بالرثاء لحالي؛ فتناهى إلى سمعي قول أحد زملائي على نحو مرح لصديق له: "إنني أتضور جوعًا، لم أتناول شيئًا منذ الصباح".
وقد دفعت بي عبارته إلى نوع من الشفافية، فقلت لنفسي: "أنا لا أتضور جوعًا، ربما أنا جائع جدًا الآن ولكنني لا أتضور جوعًا". الغريب أن هذا ليس نمط التفكير الذي يمكن أن يخطر لي في أي وقت آخر من أوقات العام سواءً كنت تناولت غدائي أم لم أتناوله.
وإذا شئت الصراحة ، إذا كان الأمر بيدي ، ما كنت لأختار رمضان. فلو لم يكن الصيام فرضًا علينا، من المحتمل أنني كنت لن أصم ، وكانت رغبتي الملحة في شاي بعد الظهيرة المثلج ستظل تتملكني وأستجيب لها.
غير أنني بعد فترة وجدت أن هناك هدوءً نفسيًا ما ينتابني فيما يتعلق بسرعة تلبية ما أريد باستمرار. إن الأمر يبدو كما لو كنت أقوم ببناء عالم يدور فقط حول تلبية رغباتي الصغيرة وأنا أعرف ، منطقيًا، أنني لست محور الكون إلا أن روتيني اليوم يجعلني أبدو خلاف ذلك. ولولا وجود رمضان، لظللت أكرر نفس نمط الحياة كل يوم وكل عام وطوال حياتي ويصير عالمي أصغر فأصغر.
إن رمضان بوابة رحبة؛ فعلمي بأنه غير مسموح لي بتناول أي طعام أو شراب، يجعلني أجد أشياء أخرى أتطلع إليها. فأمارس القراءة بصورة أكبر، وأؤدي عبادات أكثر، كما أقضي أوقات أكثر مع الأشخاص المقربين من نفسي. لأجد على نحو غير معتاد أنني أشعر بالامتنان للجوع والعطش اللذين قدما لي الفرصة لأضع في محور عالمي أشياء أكبر من مجرد رغبة في فنجان آخر من القهوة.