بناتنا ..بعد الزواج !
26 شوال 1430
البنت هي فاكهة البيت، فابتسامتها وخفة ظلها يبهجان الأب والأم ويدخلان عليهما السرور، وحليتها وزينتها يتلألأن في المنزل ليرسما لوحة فنية تترنم بوقع دندنتها ، حياؤها الفطري نموذج تربوي عملي يقتدي به من يقصد الحياء.
ذكريات جميلة تدخلها البنت على والديها في مراحل عمرها المتعددة: لعب الطفولة وشقاوتها، مذاكرة الدروس وتفوقها، معاونة الأم ومراعاتها، حب الأب والأشقاء وعنايتهم، وكثير من الأرصدة الإيجابية التي تترك البنت بها بصمتها على أفراد أسرتها وأركان منزلها، وكل ذلك تحت مظلة الإيثار والعطف ورقة القلب التي وهبها الله للأنثى، لينتهي المطاف بتجهيزات العرس وبكاء بعض الآباء بعد انتقال البنت لبيتها الجديد، لتبدأ بذلك حياة جديدة في عش الزوجية.
لكن! وبعد هذه التقدمة العاكسة لبصمات تركتها البنت في أسرة أبيها نتساءل: هل دور الآباء مع بناتهم ينتهي بتزويجهن؟.
لن نتحدث عن المظاهر السلبية المصاحبة للعناية بالفتيات عند بعض الأسر من تشاؤم، قسوة في التربية، تعنت وظلم في الزواج، تنفس للصعداء بعد الزواج وكأنه هم أزيح، وأخيراً التلاعب في المواريث من قبل بعض الآباء أو الأشقاء.
لكن حديثنا سيكون منصباً على عموم الناس الذين يبهجون ببناتهم ويسعدون بزيجاتهن، ولكن هناك حلقة نفسية مفقودة في التعامل مع بناتهم بعد زواجهن.
فالمتأمل لواقع الأسر العربية يجد أنه باستثناء بعض الأسر السائرة على درب النبوة فإن هناك بعض الالتباس عند كثير من الأسر في فهم أدوارها مع بناتها بعد زواجهن.
فأربابها بنظرهم قد أدوا أدوارهم في تجهيز عروستهم وإعدادها لحياتها الجديدة، ويسلمون ونسلم نحن كذلك بدور الزوج في تدبير وتحمل مستلزمات الحياة الزوجية.
ليقتصر دور بعض الآباء مع بناتهم بالزيارات العائلية المبهجة والتي تتباعد بعد مدة من الزواج رويداً رويدا، إضافة إلى بعض العون المقدم في حالة مرض الزوجة أو وضعها لمولودها.
ولذا فإن صدى الحضور الأسري للزوجة بعد زواجها ملحوظ في بهجتها وسعادتها بهذا الحضور وكأنه كوب نفسي تريد البنت الصغيرة سابقاً والزوجة حالياً أن تملؤه أسرتها من حين لآخر، وبمفهوم المخالفة فإنه كلما قل التواصل الأسري بعد الزواج كلما زاد الألم النفسي عند الابنة واشتد الفراغ النفسي عندها في هذا المنحى.
والمتأمل لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بناته بعد زواجهن يجد القدوة الحسنة في مراعاته لهذا الجانب النفسي وحضوره القوى والفعال في حياة بناته الزوجية.
وهناك بعض الملامح التي يمكنها سد هذه الحلقة المفقودة عند بعض الأسر والتي منها:
أولاً.... قبل الزواج:
1) التذكير بالبعد كل البعد عن التفريق بين الأبناء في التعامل والتربية.
2) غرس التماسك بين الأبناء بنين وبنات وصناعة المواقف المشتركة التي تهدف إلى التعاون وتماسك الرحم بينهم.
3) عدم إشعار البنت بأنها تمثل عبئا على الأسرة خاصة في مرحلة الإعداد للزواج ونفقاته.
4) إحداث الموازنة في توضيح رسالة البنت المستقبلية مع زوجها بحيث لا يظهر الأمر وكأن أسرتها ستنفصم عنها كلية، فيحدث بذلك الانفصام النفسي الذي قد يورث مشكلات نفسية مؤلمة قد تنعكس على فهمها وتطبيقها لصلة الرحم.
ثانياً... بعد الزواج
1) حرص الأبوين على التواصل الدائم بالابنة وبخاصة الأب، لأن الملاحظ وجود نوع من التقصير عند بعض الآباء في هذا الشأن، مع الحرص أن يكون التواصل مصحوباً بما يدخل السرور على الأسرة الجديدة.
2) أن يشمل التواصل الاقتراب المعنوي من الابنة وزوجها بألا يقتصر الأمر على جلسة سمر أو تناول للطعام، بل يكون هناك نوع من التناصح ومحاولة لتقديم يد العون والمشورة لحل مشكلاتهم بهدوء واحتوائها بصورة أبوية، وذلك حتى لا تتفاقم وتتحول إلى الصورة الندية، مع الحرص على موازنة الأمور كي لا تخرج الصورة وكأنها توجيه لمسار حياة الابنة الزوجية مما قد يأتي بنتائج عكسية.
3) اهتمام الأبوين المكثف أثناء الزيارات واللقاءات بالزوج والابتهاج به والدعاء له ومحاولة تفريج همومه وتخفيف وقع مشكلاته لأن كل ذلك ينعكس بدوره على معاملة الزوج الحسنة لزوجته التي هي في النهاية ابنتهم.
4) لا مانع إذا كان والد الابنة ميسورا مالياً وزوجها يواجه بعض الصعوبات في تدبير مستلزمات الحياة أن يقدم الأب دعماً مالياً تقيم به الأسرة المسلمة الجديدة مشروعاً تجارياً يعينهم على مواجهة الصعوبات المالية ويصرف عنهم المشكلات النفسية والاجتماعية المترتبة على تلك المنغصات، وهذا أمر ليس بغريب فقد فعله سعيد بن المسيب رضي الله عنهمع زوج ابنته طالب العلم والذي فضله على أبناء الأمراء والأثرياء، فقد قال له سعيد بن المسيب بعد شهر من الزواج: كيف ضيفكم؟ فرد عليه الزوج واصفاً حال زوجته: على أحسن حال؛ ثم أعطى سعيد بن المسيب زوج ابنته عشرين ألف دينار؛ وقال له: استعن أنت وإياها على قضاء حوائجكم.
5) ربط الأشقاء الذكور بزيارات دائمة لشقيقتهم مع توصيتهم بالحرص على التواصل معها حتى منتهى العمر، وذلك يكون بغرس قيمة صلة الرحم في نفوسهم وتوضيح عاقبة قاطعه ولا يكون هذا الأمر إلا بالتطبيق العملي لصلة الرحم، بأن يصل الأب شقيقاته النساء اللائي هم عمات الأبناء ليسير الأبناء على درب الآباء عملياً.
إنها لخطوات عملية حاولنا بها سد الفجوة النفسية عند بعض الأسر ساعين إلى ديمومة إدخال السرور على بناتهن بعد زواجهن فما أجمل السرور الذي يمكن أن يدخله الأب والأم على ابنتهم بعد زواجها لتحيا حياة نفسية مستقرة، تنعكس على روحها المعنوية وصحتها البدنية، وتؤثر على المكون التربوي الذي تغرسه في أبنائها، وليحظى الأبوين بدعوات بظهر الغيب وذكر بالخير في حديث المرأة مع نفسها قبل غيرها.