كيف نستشعر مناسك الحج والعمرة (2)
7 ذو الحجه 1430
د. سلوى البهكلي
ضيوف الرحمن
   يعتبر الحاج إلى بيت الله الحرام ضيفاً حلّ في ضيافة الله سبحانه وتعالى، فما الذي نتوقعه من المضيف وهو الإله الكريم والرب العظيم وهو أكرم الأكرمين؟؟
 علينا أن نتذكر أننا منذ عقدنا النية على الذهاب إلى مكة، فنحن سنكون في ضيافته سبحانه، وكما للضيف حقوق فعليه واجبات، لذا علينا أن نتذكر أن كل من جاء للحج هو أيضا قد حل ضيفا على الله، وهذا يلزمنا التأدب معه، ومعاملة ضيوفه الآخرين بكل رفق ولين وتسامح، فإهانتهم تعدٍ عليه سبحانه وعدم توقير له، لأنهم ضيوفه، ومن حق الضيوف أن لا يهانوا  في بيت مضيفهم مهما كانوا.
ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم : " الحجاج والعمار وفد الله عز وجل وزواره إن سألوه أعطاهم وإن استغفروه غفر لهم وإن دعوا استجيب لهم وإن شفعوا شفعوا "
 عند الدخول من باب الحرم علينا أن نستشعر أننا داخلون بيت الله لذا علينا أن ندخل بأدب، ونقدم رجلنا اليمنى ثم ندعوه سبحانه كما علمنا رسولنا الكريم، استئذانا منه سبحانه وتعالى.
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك.
 علينا إذا دخلنا المسجد الحرام أن نتذكر أننا مذنبون وأننا الآن سنقف أمام مليكنا الذي سيصدر علينا حكمه إما بتوفيقنا في رحلتنا هذه ليعفو عنا ونعود كيوم ولدتنا امهاتنا ويحررنا الى الأبد من سجن الذنوب والمعاصي، وإما بسخطه علينا وحكمه بسجننا مرة أخرى في ذلك السجن المظلم فنعود كما كنا ونغرق في المعاصي ثم نلقاه وهو غاضب علينا.
 ولنتذكر ان حكمه سيكون طبقا لنوايانا، فعلينا أن نعلن له توبتنا وأوبتنا، ونخضع ونتذلل بين يديه، ونسكب دموع الندم الصادقة، ونطلب منه الصفح  والمغفرة عما سلف ومضى، والثبات والتوفيق فيما بقى لنا من عمر، ونكرر ونكرر ونلح في طلبنا.
 وعندما نرى الكعبة علينا ان نتذكر انها أول بيت وُضع للعالم في هذه الأرض، وقد بناها أدم عليه السلام أول مرة، ولكنها هدمت بطوفان نوح عليه السلام، ولكن الله ابى الا ان تدوم وتبقى ويعاد بناءها لنأتي الان ونراها .
وان نتذكر أن الكعبة وسط المعمورة وفوقها البيت المعمور الى السماء السابعة، وهو كعبة الملائكة، كل يوم يدخله سبعون ألف ملك يصلون فيه ثم يخرجون منه ولا يعودون أبدًا.
 وعندما نرى الكعبة علينا أن نستشعر الرحمة التي يغمرنا الله بها ونتذكر ان النظر والتأمل في بيت الله عبادة . ...مجرد النظر إلى الكعبة .. يا سبحان الله !!!!
 عندما جاء أحد كبار رجال التعليم السويسريين إلى مؤتمر للتعليم في مكة المكرمة، كان يجلس هو وزوجته أمام الكعبة  ينظر إليها معظم الوقت أو يطوف أو يصلي حولها. من بعد صلاة العشاء إلى الفجر. وعندما سئل عن سبب ذلك، قال أن النظر إلى الكعبة عبادة، وهو لا يدري إن كانت ستكتب له زيارة مكة مرة أخرى أم لا !  لذا لا يريد أن يفرِّط في أي ثانية لديه.
 وعندما نصل إلى الكعبة ونبدأ الطواف علينا أن نستشعر أننا نقف تحت عرش الرحمن. ففوق كعبتنا الشريفة كعبة الملائكة في الملأ الأعلى واسمها "البيت المعمور"، وهي تحت عرش الرحمن.
وهذا بحد ذاته يلزمنا أن نحترم قدسية المكان، لأننا واقفون أمام الله في بيته وتحت عرشه، ولهذا فإن هذا المكان له من القدسية الشيء العظيم، مما تقشعر منه الأبدان، وله من الأنوار والبركات ما يجلي من قلوبنا المعاصي، ويجعلنا نسرع لنتطهر من الذنوب.
 علينا أن نتنبه ونحن نطوف أن الملائكة تطوف فوقنا !! ونتخيلهم وهم يطوفون فوقنا حول البيت المعمور في السماء السابعة، حول نفس المنطقة, وبنفس الحركة التي نتحرك بها وبنفس الاتجاه!!
ولنتخيل حالة خشوعهم وذلهم وخضوعهم لله تعالى أثناء طوافهم!! وليكونوا قدوة لنا فنتشبه بهم، لنكون كالملائكة، فقد قال صلى الله عليه وسلم عنهم: (من تشبّه بقوم فهو منهم أو هو معهم)
لنتذكر أن الله سبحانه وتعالى فضلنا عليهم إذ سمح لنا بأن نتردد على بيته متى شئنا!! بعد اذنه سبحانه. وانه لا يسمح للملائكة أن يطوفوا بيته إلا مرة واحدة  في حياتهم
 علينا أن نتذكر أن الطواف حول الكعبة ما هو الا صلاة يلزمها الخشوع وحضور القلب. 
ولنستشعر أن الله يطلع علينا وعلى قلوبنا ونحن نطوف حول بيته، لذا علينا أن نخلص له في حبه، ونفرغ قلوبنا من كل شيء عدا الله وحب الله.
فإذا فعلنا ذلك بحق ستسمو أرواحنا وسنشعر انها تسبق خطواتنا وكأنها هي التي تطوف حول البيت وليست أقدامنا.
لنتذكر أننا لسنا وحدنا من يطوف، فجميع من في هذا الكون يطوف، سواء كان في اصغر حالاته كالإلكترون حول نواة الذرة، أو كالكواكب حول الشمس، أو غيرها . وهكذا يتعدد الطائفون ولكن الجميع يطوف حول من هو أكبر منه.
وعندما نرى صغر حجمنا وضآلتنا مقارنة بالكعبة التي نطوف حولها لكونها شيء عظيم، وعندما نتنبه أن كل صغير يطوف حول ما هو اكبر وأعظم منه،هنا يجب أن نتنبه أن تكون محاور حياتنا تدور حول الأمور العظيمة وأن لا يكون دوراننا أو طوافنا  حول الأمور التافهة أو الرخيصة .
وعلينا أن نتذكر ونحن نطوف، ان منطقة الطواف حول الكعبة لها حدود معينة إذا تجاوزناها لا يصح طوافنا. فلا يمكننا أن نطوف مثلا في المسعى!!
 
عندها علينا أن ندرك أن من حكم الطواف هو أن نتذكر أن علينا أن نستمر دوما في التحرّك والدوران حول مركز واحد وهو إرادة الله تعالى ومطاف شريعته مهما تعددت محاورنا.
ولنستشعر أثناء طوافنا كيف سيكون حالنا ونحن نتردد بين يدي الله سبحانه يوم القيامة، أثناء الحساب والجزاء، وكيف سنتمنى انذاك أن نعود للحياة الدنيا لنحسن اعمالنا ونكتسب ما نستطيع من أجر لننجو من عذاب الله ونفوز بأعلى الدرجات في الجنة.
وهذا يحتم علينا نراجع حساباتنا مرة أخرى، وان نعاهد ربنا أن يكون محور دورانا وتحركاتنا منذ هذه اللحظة حول مركز الشريعة الإسلامية، فلا نتجاوز حدود محاورها  كما كنا نفعل ونحن نطوف.
علينا ونحن نستلم الحجر الأسود ونقبله أو نشير إليه أن نتخيل اننا نمد ايدينا لنجدد عهدنا وبيعتنا معه سبحانه!! فنعاهد الله على التوبة والرجوع إليه والى شرعه الذي يحبه ويرتضيه لنا. ولنتحرى الصدق مع الله ونحرص عليه.
  وعندما نصلي خلف مقام إبراهيم علينا أن نتذكر أبانا وسيدنا إبراهيم عليه السلام، وحرصه وخوفه علينا وعلى هدايتنا، وكيف دعا الله لنا واستجاب الله دعواته بأن بعث فينا محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين . 
وعندما نشرب ماء زمزم، فلنتذكر أنه ليس كغيره من مياه الدنيا, ولنستشعر المعاناة والألم  النفسي والعطش التي عانت منهم هاجر أم إسماعيل قبل أن ينعم الله عليها بظهوره.  
وهذا يذكرنا أن بعد الشدة يأتي الفرج، وأن مفتاح الفرج هو تقوى الله، تصديقا لقوله سبحانه ”ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب“،. فنروض أنفسنا على تحمل المشاق والتعب في سبيل الله.
وعندما نقف على جبل الصفا، علينا أن نتذكر ما لاقاه النبي وأصحابه عندما جهروا بالدعوة، وحرصوا على توصيلها إلينا نقية خالصة. ولنتذكر غضب الله وتوعده لكل من كاد لدعوة الإسلام أو عادى المسلمين بقول أو بفعل !! فنحذر من ذلك.
عندما نبدأ في السعي ، علينا أن نتذكر ونستشعر انه علينا أن يكون سعينا كله في هذه الدنيا في سبيل الله وفي طاعته.  وأن أول خطوة فيه تبدأ من الصفا فعلينا أن نتسلح بصفاء النية وسلامة القصد.
ولنتذكر أن  ثواب الحج لا يكون على قدر المشقة فقط، بل بقدر الإخلاص. وأننا عندما ننتهي عند المروة، فإننا بإذن الله نكون قد بلغنا غايتنا المقصودة وأصبحت أنفسنا كالجوهرة البيضاء.
ولنتذكر أثناء سعينا بين الصفا والمروة، أن السعي عبادة وليس مجرد أن نسير وننهي هذه الأشواط ! وكلما اجتهدنا في السعي وشعرنا بالتعب أو مشقة السير، علينا أن نتذكر“إن بعد كل عسر يسرا “ وان ذلك من سنن الله في هذا الكون.  
عندها نعود لنتذكر السيدة هاجر وهي تسعى بين الصفا والمروة بحثاً عن الماء لوليدها الذي أشرف على الهلاك. وان الله قد أتاها بعد العسر بالفرج العظيم.  فنتعلم من ذلك درسا هاما وهو ان علينا أن نتحمل نحن أيضا ما يواجهنا من مشقة وابتلاء ومصائب ونتأكد ان الفرج قريب, ولنجعل صبرنا تعبداً وتقرباً إلى الله.
حينما نرى جموع الحجيج، ونحن في مكة أو في منى علينا أن نفرح ونبتهج بمشهدهم, وندعو الله أن يوحد صفوفهم ليكونوا حقاً كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
علينا أن نغتنم يوم التروية يوم مبيتنا في منى في كل لحظة، لنروي جفاف صفحاتنا من الأعمال الصالحة، فنجعل كل خطوة نخطوها لنضاعف بها أجور أعمالنا, وليكن ذلك بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها وبالمداومة على الذكر, وقراءة القران، والسعي على راحة الحجيج والتعاون معهم والتصدق عليهم، والحرص على مصاحبة الأخيار والصالحين وحضور حلقات العلم.
وعندما نشد الرحال إلى عرفات، ونرى الحجيج يأتون فوجًا بعد فوج، وكلهم على هيئة واحدة وبلباس واحد، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم،  وليس على ألسنتهم إلا جملة  واحدة "لبيك اللهم لبيك، لبيك اللهم لبيك" ، علينا ان نستشعر ونتذكر قوله تعالى: "ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون"
فاجتماع عرفات هو نموذج تذكاري مبسط  ومقدم لاجتماع يوم الحشر!!  ولأهميته جعله الله ركنا أساسيا للحج .. بل الحج كله "الحج عرفة”.
فهو يذكرنا في هذه الدنيا بصورة حية مصغرة من صورة الآخرة.  ويذكرنا بميدان الحشر ومثولنا أمام الله. عندها علينا أن  نعد العدة ونراجع الحسابات لندرك ما هو سيكون مصيرنا عندما يأتي ذلك اليوم فعلا!!
فعلينا أن نستشعر ونتذكر في هذا الموقف المشهود في صعيد عرفة.. خاصة عندما نقف جميعا ندعو الله ونبتهل إليه ونحن واقفون تحت الشمس وهي دانية منا، نتذكر يوم القيامة، يوم يجمعنا الله مع الأولين والآخرين في صعيد واحد فنقف خمسين ألف سنة، والعرق يلجمنا على قدر أعمالنا، ونحن ننتظر رحمة الله ونرجوه أن يبدأ في حسابنا.
وحينما نتذكر غيرنا من غير الحجاج الذين ضيعوا هذا اليوم فلم يستغلوه بالذكر والصيام والعمل الصالح، وضيعوه بما لا يفيدهم من الأقوال أو الأعمال، علينا أن نستحضر قوله تعالى: فريقٌ في الجنة، وفريقٌ في السعير !
فنعمل جاهدين أن نكون من فريق الجنة. لنكون من المقبولون الذين قد غفرت لهم  ذنوبهم، والذين سيستمرون كذلك حتى بعد عودتهم الى اوطانهم. ولا نكون ممن عاد إلى وطنه  وليس له من حجته إلا أجر التعب والنصب وعاد كما كان !! فيا لها من حسرة عظيمة
عندها يجب أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا ونعرف نقاط ضعفها وقوتها، لنعرف حقيقتها وحقيقة ضعفها وحاجتها وافتقارها إلى مالك الملك ورب السماوات والأرض، ونعترف بقصورها، ونحاسبها على تقصيرها، فنندم ونتوب توبة صادقة ،ثم نجتهد في تقويمها والدعاء لها بالصلاح والإصلاح ليعم الخير علينا وعلى عباد الله جميعا.
وعلينا أن نستشعر أهمية ذلك اليوم وانه اليوم الذي سيحدد مصيرنا إما إلى جنة الخلد والنعيم وإما إلى بئس القرار ونار الجحيم.!! ونتذكر انه اليوم الذي يمكننا فيه أن ننال جنات الخلود إذا اتقنا العمل وأخلصنا النية لله وعزمنا على إكمال المسيرة بالتوبة والعمل الصالح.
فيكون ذلك حافزا لنا في الاجتهاد فنستغل كل دقيقة من دقائق وقوفنا ووجودنا في عرفات في الدعاء والذكر والاستغفار والتقرب إلى الله تعالى، وعدم تضييع اوقاتنا في القيل والقال.
ولنستحضر أن الله يباهي بنا الملائكة في ذلك اليوم، والله لا يباهي إلا بمن يستحق هذه المباهاه، فلنكن أهلا لهذه للمباهاة. ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفه وأنه ليدنو عز وجل ثم يباهى بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ؟ " .
وعند الإفاضة من عرفات علينا أن نودع هذا اليوم المبارك, وهذا الموقف العظيم , ونستشعر مغفرة الله وعتقه لنا من النار، فنزداد شكرا له على هذه النعمة، وذكرا له عند المشعر الحرام –أي في مزدلفة – كما أمرنا في قوله سبحانه " فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين"
وعندما يبدأ الزحف من عرفات باتجاه المشعر الحرام، علينا أن نستشعر أننا وبعد أن تعارف بعضنا على بعض في عرفات ووقفنا في صعيد واحد لنعاهد الله على رفع كلمة الحق وتطبيق شرعه سبحانه، سنبدأ هذه الحرب مع أنفسنا أولا لنقاوم شياطين الهوى الذين يتلبسون لنا بكل شكل ويتسلحون بكل حيلة ليضلونا عن سبيل الحق.
علينا أن نستشعر أننا نتحرك نحو المشعر الحرام لنستعد لخوض معركة ضد الشيطان بعد أن أصبحنا نمثل جبهة واحدة وصفاً واحداً قوياً قادراً على التصدي لعدو الله وعدونا.
 أما فجر مزدلفة فيذكرنا عندما نرى الحجيج وهم يستيقظون من نومهم وهم شعثا غبرا لينطلقون إلى مِنَى بيوم البعث وكأن الناس يبعثون من القبور
ومن مظاهر الأهبة والاستعداد للحرب جمع الحصى من المشعر الحرام ليلة المبيت فيه، ليكون رمزاً وتمريناً لنا على جمع السلاح المادي المعهود وإعداده للوقت المناسب عملاً بقوله تعالى: "واعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".
عندما نختار الحصى ونتأكد من مطابقته للحصى المطلوبة للرمي، علينا أن نتذكر "أن الله طيب لا يقبل إلا الطيب" وانه علينا أن نتخير أعمالنا ونجعلها طاهرة نقية خالصة لوجه الله، حتى عندما نقاوم عدونا وعدو الله إبليس.
عندما نتجه إلى منى لرمي الجمرات علينا أن نتذكر إبليس وكيف كان يريد غواية سيدنا إبراهيم ويثنيه عن طاعة الله، وكيف صده إبراهيم ورجمه بالحصى. وأنه مازال حتى الآن يمارس نشاطه علينا ويسوس لنا، ويتلبس في جميع الصور، ليحقق هدفه ويقذف بنا إلى النار.
وعندما نصل إلى منى لرمي جمرة العقبة، بالسلاح الذي جمعناه، علينا أن نستشعر ونتذكر أن هذه الجمرة هي العقبة الكبرى بيننا وبين دخول الجنة، وما هي إلا الشيطان الأكبر والنفس الإمارة بالسوء، فنعقد العزم على دحرها وأن لا نطيعها بمعصية الله.
وعلينا أن نتصور مع كل حصاة نرميه بها، أننا في حالة حرب مع الشيطان الذي يريد إيقاعنا في المعاصي، وأنه عدو لنا يجب أن نحذر منه ومن وساوسه، وأن علينا مقاومته.
ولنستحضر مع كل جمرة نرميها خطورة الشيطان وقوة نزغاته ووسوسته وقدرته على ضلالنا إن لم نتسلح بالدين الحق، فنكبر مع كل حصاة نرميها، لنتذكر ونذكر من حولنا أن الله هو أكبر من كل شيء، ونتخيل أننا نقاوم إبليس وجنوده ونذكرهم أن الله اكبر منهم مهما فعلوا، ونذكر أنفسنا بذلك، ونستعين بالله في حربهم. 
وعندما نبدأ في اليوم التالي برمي الجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الجمرة الكبرى، علينا أن نستحضر أن الشيطان لا يعمل لوحده، وأن هؤلاء جنده، ولكي نصل إلى قائدهم الأكبر إبليس، يجب أن نقاوم ونتخلص من جنده ورعيته.
لنستحضر ونحن نرمي الجمرات أن هذا الرمي هو تجديد لبيعتنا مع الله، وإعلان ومعاهدة منا أمام الله وأمام خلقه الذين احتشدوا  حول الجمرات على العمل الدائم والدؤوب على دحر هذا الشيطان وحزبه في كل زمان ومكان.
عندما نذبح الهدي علينا أن نستشعر نعم الله علينا ، ونتذكر أننا في هذه الدنيا نمر بامتحانات كثيرة، وأن الله مهما قسا  علينا في أي امتحان إلا انه سبحانه لا يلبث أن يبعث لنا الفرج، شرط أن نصمد ونصبر ونطيع أمره.
ولا يوجد امتحان في هذه الدنيا أصعب من امتحان سيدنا إبراهيم عليه السلام، وابنه إسماعيل، عندما رأى انه يذبح أبنه وقرة عينه الذي رزقه الله إياه بعد صبر طويل، ومع ذلك استجاب وأطاع كل منهما لأمر الله، وهما بتنفيذ الأمر. وهذا يدل على أن الإيمان في قلبيهما غلب كل شيء، وهكذا يجب أن نكون.
لنستشعر عند الذبح  وتوزيع لحوم الأضاحي، وكأن الله سبحانه وتعالى يرحب بنا ويجعلنا نحتفل بنجاحنا في الامتحان الصعب، وكأنها رمز لقبولنا لديه وقبول توبتنا واستجابة دعواتنا، واحتفال معنا بعيدنا الأكبر.
 وعلينا أن نستشعر أيضا رحمة الله العظيمة بالفقراء والمساكين، وأنه سبحانه يذكرنا بوجوب رحمتهم ووجوب إطعامهم من لحم الذبيحة، فيكون ذلك وسيلة من وسائل تفقدهم بالبر والصلة ومد يد الإحسان إليهم.
وعند الحلق أو التقصير علينا ان نستشعر أن ذنوبنا تسقط مع كل شعرة نحلقها، واننا مع اخر شعرة سقطت تخلصنا من درن الذنوب والخطايا . ولنتذكر ان الوليد الذي يأتي في هذه الدنيا يولد قليل الشعر أو بدون شعر فنتذكر ونحن نرى بعضنا البعض اننا رجعنا بحمد الله كيوم ولدتنا امهاتنا كما وعدنا ربنا.
وعلينا أن نتنبه ونحن نؤدي مناسك الحج، أننا سنجد في كل بقعة أمامنا الغني والفقير، الكبير والصغير، القوي والضعيف، الأبيض والأسود، نراهم سواسية متجردون لله تعالى، لا فروق بينهم، سواء كانت سياسية، أو عرقية، أو لغوية، أو لونية.
عندها سندرك معنى الأخوة الحقيقية بين البشر، وقيمة الوحدة والتآلف والتقوى والرحمة والتراحم،  ونتذكر أننا جميعا أبناء ادم وحواء. وان الله  جمعنا هنا ليذكرنا بإخوتنا وأننا جميعا سواسية لا فرق بيننا. فجميعنا عبيده وقد أتينا هنا نطلب رحمته ومغفرته، وننتظر قبولنا لديه. وأنه الحق سبحانه سيفاضل ويختار من بيننا من يراه أهلا لقربه وفضله وجنته. وان ميزان التفاضل عند الله هو التقوى   " إن أكرمكم عند الله أتقاكم”
وعند طواف الوداع علينا أن نستحضر الشعور بلوعة الفراق، فراق أشرف بقاع الأرض، التي استمتعنا فيها بقربنا من ربنا ومولانا وخالقنا.
ولنجتهد أن تكون هي أحب الأماكن وأقربها إلى قلوبنا، وندعو الله من أعماقنا وكلنا رجاء بأن لا تكون هذه الزيارة هي آخر عهدنا بالبيت.
 
 
--------------------