أهلنا في جدة ..لاتحسبوه شرا لكم
15 ذو الحجه 1430
يحيى البوليني
تعتصر قلوبنا ألما لما أصاب إخواننا في جدة العروس من بلاء جراء سيول المياة .. ولا نقول لإخواننا الا قول الله تبارك وتعالى " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِوَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاإِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌوَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"
 
ولابد لنا مع عظم هذا البلاء وشدته أن نتلمس بعضا من حكمة الله فيه , فما من بلاء إلا وفيه الكثير من العطاءات والحكم والدروس وذلك بعد المراجعة والتدبر التي يجب على المسلم أن يتوقف عندها ومنها :
 
-       لا يستطيع الانسان أن يدرك الخير من الشر , فما يظنه ويحسبه خيرا وربما يظل يدعو الله به ليل نهار قد لا يكون خيرا له ان وقع , وما يظنه شرا وربما يدعو الله ليل نهار أن يصرفه عنه قد يكون خيرا , لأننا لا نرى الأمور على حقيقتها لضعفنا البشري وعجلة أحكامنا , وصدق الله العظيم حين قال " وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " ويقول أيضا  " وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا "  
ولهذا لا ننظر لأمر السيول التي وقعت لأهلنا في جدة وما حدث من أنواع البلاء بما نراه وما نشعر به الآن فلعل فيه خير كثير في الدنيا والآخرة , ولابد أن نطمئن لارادة الله وقضائه ونرضى به ونشكر الله على ونصبر على البلاء , فكلاهما خير للمؤمن كما صح عن رسول الله في صحيح مسلم  " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".
 
-       وعلى المسلم أن يثبت عند وقوع المحنة , وأن يوطن قلبه على الثبات والصبر وعدم الجزع والهلع اذا حدث له مكروه , وعليه أن لا يسمح بانتشار الهلع والجزع ولا أن يساهم فيه بكلمة أو رأي , لأن ذلك سيضاعف من حجم المصيبة ولن يساعد على حلها , وعليه أن يمتثل للأمر الرباني " يأيها الذين آمنوااصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " وعليه أن يقتدي بالنبي الكريم في ثباته وشجاعته , فما كانت الشجاعة إلا ثبات القلب عند حلول الشدائد , ولذلك ما رؤي أحد أقرب للعدو منه إذا حمي الوطيس وذلك من ثبات قلبه واطمئنانه بربه  
-       إن أعظم مصيبة تحدث للإنسان هي الموت وما سمى الله شيئا باسم المصيبة في كتابه الا الموت فقال سبحانه " فأصابتكم مصيبة الموت " ورغم هذا لم يجعل الله له سببا ولا علة ولا مكانا ولا زمانا , ولا يجدي مع حكم الله وقدره فرار أو هرب أو خروج إذا جاء القدر فقال سبحانه " أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ " فعلي المؤمن أن يطمئن لقدر الله ويبحث في وسائل نجاته بقدر جهده وهو مطمئن وواثق أنه لن يفر من قدر الله وانه مهما أوتي من قوة لن يخرج عما كتب له ويردد دوما قول الله سبحانه " قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لناهو مولانا وعلى اللهفليتوكل المؤمنون "
 
-       من سمات الإنسان أن يألف كل ما يعتاد عليه سواء كان حسنا أو سيئا , فكل شئ متكرر يألفه المرء ولا يشعر به , والنعم كذلك إذا اعتادها الإنسان كل صباح لا يشعر بها ولا يحس بقيمتها ولا يتذكر أن يشكر ربه عليها فيأتيه البلاء مذكرا له بالنعم التي تحيطه وتغمره فينتبه ويراجع نفسه ويتكر تقصيره في شكر نعمة ربه الذي قال " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ " , فيكون البلاء حينها نعمة كبيرة لأنها تذكر الانسان بربه وتعيده لعبوديته واستشعار ضعفه وحاجته لمولاه وافتقاره اليه
 
 
-       البلاء رفع لدرجات المؤمن وتمحيص لذنوبه وخطاياه , فكم من مؤمن سيقف بين يدي الله ويبحث في صحيفة أعماله عن ذنوب هو يعرفها ويتخوف منها ولا يجد عذرا له منها أمام ربه , ولكنه لا يجد لها أثرا مكتوبا , فيعلم أنها محيت من ديوانه بالبلاءات التي تعرض لها , وساعتها ربما يفرح بذلك البلاء الذي محا عنه ذنوبه فيقول النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري " ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها" وفي رواية " ما يصيب المسلم من نصب ولا وَصَب [1] ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه
 
-       عند حلول البلاء لابد من وقفة يقفها كل مؤمن مع نفسه ويقفها المجتمع ككل ويبحثها العلماء أولو الفطنة واليقظة , فقد يكون حلول البلاء لحدوث معصية أو معاص كثيرة , فالمعاصي تزيل النعم وتجلب النقم , وقد قد نقل عن علي رضي الله عنه " ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة " والمعاصي تزيل القرى والأمم وتقطع دابرها بالكلية ان انتشرت " وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مّطْمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ "
 
 
-        والمراجعة واجبة من الجميع , وعلى رأسهم المسئولون , فعليهم أن يزيدوا من جهودهم ويخلصوا نياتهم لله ويحتسبوا في أعمالهم وأقوالهم رضا الله سبحانه لأنهم صمام أمان المجتمعات من الهلكة إن قاموا بواجبهم في إصلاح الناس وهم الضمان الحقيقي الذي اشترطه الله سبحانه على نفسه فقال الله عز وجل " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ " وفي الترمذي بسند حسن صحيح قول النبي الكريم في حديث السفينة " مثلالقائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحرفأصاب بعضهم أعلاها وأصاببعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون علىالذين في أعلاها فقال الذين فيأعلاها لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا فقال الذين في أسفلها فإنا ننقبها منأسفلها فنستقي فإن أخذوا على أيديهمفمنعوهم نجوا جميعا وإن تركوهم غرقوا جميعا"
 
-       يجب أن يراجع كل امرئ نفسه ويراقب أفعاله ولا يقلل من شأن معصيته , فربما تحل النقمة على أمة بمعصية فردية ويجب أن يفر الجميع الى الله سبحانه وأن نكثر من التوبة والاستغفار ونثق في ولاة الأمر ولا نزيد الأمر تعقيدا ونلح على الله في الدعاء فهو القادر سبحانه على كشف الضر ونكثر من دعاء تفريج الكرب الذي نقله لنا الإمام علي " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بي كرب أن أقول:  لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين "
 
 


[1]الوصب: المرض. الوجع. الفتور في البدن