كيف نستشعر مناسك الحج والعمرة ؟ (3)
15 ذو الحجه 1430
د. سلوى البهكلي
رحلة الحج هي رحلة من الخشوع والتأمل .. رحلة لإعادة برمجة النفس البشرية لتطابق الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.. رحلة لتفريغ ما تراكم داخل الإنسان من شحنات سلبية بسبب الضغوط والانفعالات التي مر بها خلال سنوات عمره الطويلة.
وقد اكتشف الباحثون فعلا أن هذه الرحلة فيها إعادة برمجة للنفس البشرية، ولاحظوا أنها تزيد من طاقة الإنسان الايجابية، لما تحمله من منافع كثيرة لم يكشفها العلم إلا حديثاً.
حيث يؤكد علماء النفس أن الذي يضعف الإنسان وينهكه هو كثرة الضغوط والمشاكل التي يتعرض لها أثناء حياته.
كما أكدوا أن الطريقة المثلى لإعادة التوازن للجسم، هو أن تفرّغ هذه "الشحنات السلبية" المتراكمة بفعل الأحداث التي يمر بها. وعملية التفريغ هذه ضرورية ليتمكن الإنسان من استثمار طاقاته بالشكل الصحيح والاستمتاع بحياته
وهذا ما تقوم  به رحلة الحج، حيث تعيد هذه الرحلة  تهيئة وفرمتة جسم الإنسان من  جديد، فتفرغ منه الشحنات السلبية الضارة وتعيد شحنه بالشحنات الإيجابية النافعة، كما يحدث تماما عندما يعاد فرمتة أي جهاز كمبيوتر ممتلئ بالفيروسات أو توقفت برامجه عن العمل بشكل جيد.
ولكي قطف ثمار هذه الرحلة.. لا بد لنا أن نستشعر عظمة هذهِ العِبادة ! 
ولا بُدَّ من اسْتِحْضَار العقل والقلب فيها
 ومن ثمار الحج:
–     استشعار القلوب بوحدانية الله
–     تعويد للنفس على الطاعة والامتثال لأمر الله .
–     تزويد القلوب بالإيمان والتقوى .
–     اختبار لقوة الإيمان .
–     تطهير النفس البشرية فى مظاهر الكبرياء والعظمة .
–     تعويدالنفس على الجهاد .
–     توثيق العلاقة والصلة بالله
–     تخليص الإنسان من الذنوب والفقر.
استشعار القلوب بوحدانية الله
يستشعر الحاج بواحد نية الله سبحانه وتعالى، عندما يرى الجميع من حوله مسلمون يطوفون ببيت واحد، ويعبدون إلهاً واحداً، ويتبعون رسولاً واحداً، وينتهجون منهجاً واحداً، وكل هذا تجسيد حقيقي لمدلول : " لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلاّ الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ".
وهذا الشعور يعزز في نفوسنا أهمية الوحدة والعمل في ظل جماعة واحدة حتى نتمكن من الانتصار على أعداء الإسلام، لنكون بحق خير أمة أخرجت للناس، تصديقاً لقوله تعالى: )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا(
 
تعويد للنفس على الطاعة والامتثال لأمر الله
يؤدي الحاج المناسك دون نقاش أو جدال ولو لم يفقه من أسرارها شيء، فهو يؤديها طاعة وامتثالاً واستسلاماً لأمر الله سبحانه وتعالى، ويبذل في سبيل ذلك المال والوقت والجهد، وفى هذا تعويد للنفس البشرية على الالتقاء على طاعة الله والاتحاد على دعوته.
تزويد القلوب بالإيمان والتقوى
من أهم مقاصد أداء مناسك الحج " استشعار التقوى والتزود منها " ، فالتقوى زاد القلوب والأرواح وهو خير الزاد، فمنه تقتات وبها  ترى وتشرق، وعليها تستند في الوصول الى درب الحق والنجاة . ورحلة الحج خير من يزود العقل والروح والقلب  بهذا الزادالعظيم.
 
اختبار لقوة الإيمان
يترك الناس في الحج رغباتهم وشهواتهم لإرضاء ربهم  .. وفى ذلك اختبار على قوة إيمانهم  وصدق عقيدتهم وإخلاصهم  في حب الله ورسوله ، وهذا يجسد قوله تعالى"وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ لِّلَّهِ "
 
تطهير النفس البشرية فى مظاهر الكبرياء والعظمة 
يقف الحاج أمام ربه وأمام جميع الخلق متجرداً من كل مظاهر الدنيا الفانية وهو طيب النفس والخاطر، ويتذكر ضعفه وذله لله يوم يلقاه،  وهذا يطهر النفس البشرية من الكبرياء والعظمة والغرور، ويعودها على التواضع، فالكبر والغرور هما من أوديا بإبليس إلى جهنم  وبئس القرار.
 
تعويد النفس على الجهاد
يعلمنا الحج معنى الجهاد، ويمكننا من استخدام الطاقة الكامنة الموجودة بداخلنا  لتوجيه أنفسنا إلى الخير، وكبحها عن اتباع  طريق الهوى وذلك عن طريق الذكر والطاعات والالتزام بالطريق المستقيم، واحتساب الأجر. وهذا نوع اخر من الجهاد وهو جهاد النفس .
 
توثيق العلاقة والصلة بالله
يعمل الحج المبرور على إزالة الحواجز التي بنتها الوساوس الشيطانية والمشاغل الدنيوية على القلب، فحجبت عنه  نور الإيمان وأبعدته عن القرب من الرحمن.  فجميع العبادات التي نمارسها يمكنها أن تطهر جزءًا مظلما من القلب، إلا الحج فإنه يطهر القلب كاملاً؛ شرط أن يتوفر فيه الإخلاص.
ففريضة الحج تعتمد على الذكر الدائم لله عند أداء النسك؛ لتطهير القلوب، وترطيب الألسنة، وبهذا يكون العبد على علاقة وارتباط دائم بالله.
 
تخليص الإنسان من الذنوب والفقر
الحج المبرور يفرغ ويخلص الإنسان من جميع ما يحمله من ذنوب وأخطاء، تصديقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة)
فالحج لا يخلص الإنسان من الذنوب فقط ولكنه يخلصه من الفقر أيضا، وذلك لأنه يعيد شحن الجسم من جديد بالطاقة الفعالة، فيصبح أكثر قابلية للعمل والسعي لكسب الرزق.
هذا بالإضافة إلى أن الذنوب تحجب الرزق والحج يخلص الإنسان من ذنوبه فيرجع نقيا طاهرا كيوم ولدته أمه، فلا يصبح لديه ما يحجب الرزق ولذلك يزيد بإذن الله