بالرغم مما تخرج علينا يوميًا به الثقافة الغربية من التقاليع والأفكار الشاذة كزواج المثليين أو نظام الصديق والصديقة (البوي والجيرل فريند)، أو حتى ما تخرج علينا به بعض الدعوات النسائية المستغربة مثل المطالبة بتسجيل الأسماء باسم الأم بدلاً من الأب، إلا أن ما استرعى انتباهي مؤخرًا هو دعوة الكاتبة نادين البدير للمساواة في حق التعدد بين الرجل والمرأة، وقولها أن المرأة داخليًا تحلم بذلك !
ولن أنبري في الدفاع عن الحكمة الإلهية في تشريع ذلك للرجل وأسبابه، إلا أنه بالنسبة للمرأة سليمة الفطرة- ايًا كان دينها أو جنسيتها- لابد أنه كابوس وليس حلم أن تتزوج بأكثر من رجل بل أيضا أن ترتبط قلبيا ومشاعريا بأكثر من رجل !
إن صرخة مستفزة تقفز من بين بنيات نفسي بينما اقرأ مثل تلك الأفكار المخالفة للفطرة البشرية والمضادة لجميع اتجاهات المقبول في الحياة الإنسانية عبر العصور ..
إنها صرخة رافضة أن تكون كتابات مثل تلك أمام الناس معبرة عن شعور المرأة النقي الرقيق ووفائها الصادق الذي زينه الإسلام بكل زينه ووقاه من كل رزيلة .
وأيا كانت أهداف مثل تلك المقالات الماجنة ( إذ يحاول أصحابها دوما القول أن مرادهم لم يكن الدعوة إلى تعدد الأزواج أو إلى خلافه وإنما إثارة واستفزاز القارىء نحو قضية حقوق المرأة ) فإنها حاولت العبور لمراداتها من خلال التعدي السافر على النساء المسلمات الطاهرات .. بل على كل امرأة تحترم نفسها في العالم
ولنتخيل معًا في مشهد هزلي ساخر كيف يمكن أن يكون شكل الحياة البئيس إذا ما كان متاحًا للمرأة أن تجمع بين أكثر من زوج في وقت واحد- بغض النظر عن طبيعة الأنثى التي يكمن بداخلها رغبة في الشعور بالأمان والاستقرار وهدوء العيش :
سيكون أمامنا شكل غير معقول من امرأة ممزقة تحت أعباء من المسئوليات ، حائرة بين طبائع رجولية مختلفة ، وأماكن للعيش مختلفة - إلا بالطبع لو كانت أيضًا تعتزم مزيدًا من مسخ الرجولة والجمع بينهم في بيت واحد! -
ولنتخيلها وهي تجعل من أحدهم ربًا للأسرة ، والآخر أبًا لأبنائها ، وتلتمس من الثالث حاجة جسدية ومن الرابع دفعا للملل الزوجي الذي قد يشوب حياتها؟ أي عبث ذلك و أي امتهان للأنوثة!
لقد حاولت الكاتبة بأكثر من طريقة – وبعد شعورها بتورطها في أفكار منحرفة – أن توحي لقرائها أنها لم تقصد أي شيء مما فهمه الناس كل الناس عن دعوتها لتعدد الأزواج أو هذا النوع من الإباحية في ذلك , وأنها حاولت لفت النظر إلى العدل مع المرأة , ولئن حاولت أنا افتراض صحة ما تزعم الكاتبة , فإن سيلا كبيرا من ا لرفض له سيقابل كل قرائها بينما تسوق كلماتها الخنجرية للمبادىء والقيم ..
وبقدرما أفزعتني الفكرة بقدر ما استشعرت معنى الآية الكريمة التي يقول فيها عز وجل: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير".
إنه حقا سبحانه اللطيف الخبير الذي يعلم طبيعة المرأة ويعلم ما يصلحها قلبيا وروحيا وجسديا ونفسيا , يعلم ما ينفعها في يومها وغدها وما يفلحها في دنياها وأخراها , ولذلك شرع لها دينا قيما ومنهاجا رائعا يحمي حقوقها ويحفظ قيمتها ويرعى متطلباتها ويرفع قدرها .
إن البدير أرادت أن تتحدث عن آلام المرأة في ظل مجتمعات بعيدة عن القيم والحقوق قد تمارس الظلم والاضطهاد ضدها بدماء باردة بدعوى أنه من الدين، وقد أتفق معها في جزء من ذلك في بعض الحالات ، وإن كنت أرى أن النساء العربيات من أمثال البدير وغيرها يمكنهن مساندة قضية المرأة دون دفع بنات جنسهن إلى مزيد من الامتهان بحجة أن ذلك قد يشعر الرجل كم هو مخطيء. هذا منهج شاذ، لا يمكن أن نتحدث باسم المرأة في الوقت الذي نطالب بإهانتها.
إنني أرى أن قضية الدفاع عن حقوق المرأة تبدأ أولاً بتعليم المرأة الطفلة والأم وتثقيفها لتخلق جيلاً لا يقبل القهر والظلم.
وقد منح الإسلام المرأة الحق في العلم واختيار الزوج ونفع المجتمع وذمة مالية مستقلة، ولم يكبلها إلا موروثات وعادات وتقاليد مذمومة لم ينزل الله بها من سلطان.
ولو نبتت في بيوت الإسلام في شرق الأرض ومغاربها نبتة الفتاة التي لا تحرم من التعليم لأنها أنثى، أو تُجبر على الزواج لأنها أنثى، أو تُعامل كمواطن من الدرجة الثانية إذا طلقها زوجها، فسيظهر جيل جديد يتكاتف رجاله مع نسائه ، فالهدف واحد ولم يخلق الله الذكر والأنثى إلا شقائق وكل منهما ميسر لما خلق له.
والحقيقة أن رائدات الحركة النسائية في مجتمعاتنا العربية دائمًا ما يتخلين عن أي مظهر من مظاهر الثقافة الإسلامية ربما لكسب التعاطف الأوروبي وربما لضعف أو قصور في فهمهن لطبيعة دينهن
وهناك نماذج كثيرة أعطت شعورًا بأن الإسلام يحول بين المرأة وحريتها , ماذا إذن لو ظهرت الناشطة الحقوقية العربية مدافعة عن بنات جنسها وترتدي رداءها الإسلامي، معلنة أن الدين لم يمنعها من علم، أو حرية، أو حق في الاختيار أو تعبير عن الرأي؟
وقد أعزي كثيرا من الأفكار التي حاولت نادين وغيرها بثها للناس للانغماس في الثقافة الغربية المهترئة فيما يخص البناء الإنساني والتربوي , كما أعزيه لطبيعة تربوية قد اعتراها شيئ من القمع أو كبت الحريات أثناء مراحل العمر دعاها وغيرها تدعو إلى ثورة مقنعة ضد كل قيد حتى وإن كان معقولاً ومقنعًا ومقدسا ولا يمس حريتهن بشيء!! بينما لم تنتم بعلم إلى ثقافة دينية ثابتة
ويمكنني أن أقول، من واقع اقترابي من الثقافة الغربية واحتكاكي بها نوعًا بسبب طبيعة دراستي وعملي ، أن الإسلام الحقيقي عقيدة وشريعة يمكنه استيعاب أحلام وآلام الإنسان من ذكر وأنثى في أي زمان ومكان أيما كانت جنسيته أو نشأته أو وطنه.