السؤال
هناك مشكلة في بيتنا الملتزم والمحافظ بحمد الله - والمكون من ثلاثة عشرا فردا كلهم أشقاء في منزل واحد بتوفيق من الله - أخي الأكبر عاطل عن العمل وإمام مسجد ويبلغ من العمر 26 عاما لا يتقبل النصيحة والرأي من أحد ويفعل ما يخطط له إن كان من تخطيط أصلاً.
أبواي على وفاق كامل مع إن أبي شبه محافظ وشبه ملتزم ويبلغ من العمر 53 عاما وهو شديد الغضب وصعب المراس ولا يعرف في التربية أو العلاج سوى الضرب بيد من حديد وما يزيد الأمر سوءاً كونه مصاب بمرض القولون العصبي وسريع الحكم على الأشخاص من أول تصرف يقابله منهم.
المشكلة تكمن في أخي الأكبر حيث إن مظهره الالتزام لكن للأسف اكتشفت مؤخراً أنه يعاكس الفتيات عبر (الدردشة) ويحمل في حاسوبه الآلي مجموعة من الأفلام الغربية, وأراه لا يعمل شيئا إلا الأكل والنوم والرحلات البرية والسفر وإهدار المال وله أصحاب كثيرون معظمهم مثله هدفهم النزهات وأنواع الطعام والسيارات وغيرها.. أرشدوني كيف أتصرف معه؟
الجواب
الأخ الكريم..
ألاحظ في رسالتك عدة ملاحظات جديرة بالاهتمام وعلى أساسها يكون جوابنا عليك:
أولا: ألاحظ شيئا من حدة في كلماتك بينما أنت تتحدث عن أخيك الأكبر، وتجمع له الأوصاف الغير مرغوب فيها كل ذلك بأسلوب حاد في رسالتك، وأتساءل: إن كان هذا هو أسلوب رسالتك، فكيف يكون أسلوب تعاطيك مع المشكلة إذن؟!
ثانيا: ذكرت أنكم من أسرة محافظة ومحترمة وأعضاءها كلهم ملتزمون، ثم تنتقد أسلوب الأب ذاته وتصفه بالعنف والشدة والعصبية، بينما الطبيعي أن تكون صفات الأب الحميدة هي السبب المؤثر في التزام الأسرة
ثالثا: لم تتحدث عن نفسك بوصف ما أيا كان، ولم تحدثنا عن محاولاتك السابقة في العلاج أو عن شيء إيجابي حاولته للتخلص مما منه تشكو.
رابعا: لا ادري مدى الرباط النفسي والأسري الذي يربط أسرتكم معا وما مدى المشاعر الإيجابية التي تربط بينكم جميعا خصوصا وأنت لم تذكر أحوال بقية الأسرة الكريمة.
خامسا: ذكرت حسن العلاقة بين الوالدين مع التزام الوالد وهذا من شأنه أن يكون دافعا إيجابيا لكل خير.
وبالنظر للمعلومات القليلة التي أوردتها لنا في رسالتك سأحاول أن أقف معك عند عدة خطوات يمكنك التفاعل معها في علاج مشكلة أخيك التي أراها بسيطة:
1- يجب بداية أن تستحضر النية الحسنة الطيبة في تقويم سلوك أخيك، وأن ترجو بذلك وجه الله سبحانه وأن تتقرب إليه عز وجل وترجوه أن يوفقك فيما أنت بصدده
2- يمكنك أن تُفعل دور والديك بشيء من ذكاء، فالأم الكريمة يمكن أن يكون لها دور إيجابي في النصح والتوجيه إذا حاولت تبصيرها بالموقف وحاولت توجيهها ليكون لها معه وقفات متتاليات بأسلوب الأم الرفيق الحاني، كذلك يمكنك أن تفعل دور الوالد بأسلوب حصيف، فالوالد وإن كان شديدا أو عصبيا – كما ذكرت في رسالتك – فإنه سيتقبل منك رؤيتك إذا أحسنت طريقة عرضها عليه، بحيث تبدأها معه بمدى حبك وتقديرك لأخيك ومدى رغبتك في تقويم حاله، ثم تقترح عليه أن يبادر هو الآخر بجلسات نصح هادئة وبأسلوب مختلف، ولاشك أن هذا سيكون له دور حسن
3- يبدو من رسالتك أن هناك أثرا مهما لأصدقاء أخيك عليه وعلى سلوكه، فلتتخير منهم أفضلهم وليكن لك معه لقاء صريح، تلتزم فيه معه باللطف والذوق والأسلوب الحسن، وتناقش معه مشكلة أخيك، ثم تسأله عما يمكن أن يقدمه لك في هذا السبيل، ومن الحسن أن تبني بينك وبينه علاقة صحبة ولو بسيطة بحيث تكون دائم الإطلاع على أحوال أخيك منه أيضا
4- للعلماء والدعاة أثر لا يمكن إنكاره، فأقترح عليك اختيار أحدهم من المؤثرين وممن تعلم أنت برفعة قدرهم في قلب أخيك، فلتذهب إليه وتحدثه بالشكوى والمشكلة وتطلب منه التدخل بأسلوب لا يبين منه أنك أنت وراء ذلك
5- لابد أن ترسم لنفسك خطة إصلاح مع أخيك ولا يكون تحركك عشوائيا وشكواك للناس متكاثرة لئلا تفقده أو تثير غضبه منك، ولكن اجلس مع نفسك وحدد النقاط السلبية التي تراها عليه، ثم ضعها في حجمها، فلا تجعل شكواك من صغائر الذنب كشكواك من كبائره، فغن ما ذكرت من سلبيات وأخطاء على أخيك يعاني منها الآلاف من شباب أمتنا، والحمد لله أراها مقدورة الإصلاح..
6- ودوما اربط بين ذكر السلبيات بذكر الإيجابيات فيرتفع قدر مسألتك في عين السامع، وضع خطوات متدرجة للإصلاح، وإياك والعجلة، فإن إصلاح السلوك والنفوس يحتاج صدر متسع وبال طويل وصبر وتقوى.
وأختم نصيحتي لك بأن أدعوك إلى استحضار محبة أخيك في قلبك وليكن انطلاقك لإصلاحه من منطلق المحبة والشفقة التي رجاؤها وجه الله سبحانه وغلافها الرفق ووسيلتها الفطنة.
وفقكم الله جميعا لما يحب ويرضى.