حفل طلاق !
11 صفر 1431
يحيى البوليني

في تصرف غريب وفي ردة فعل لتصرفات بعيدة عن الخلق القويم والرحمة المنشودة بين الزوج وزوجته انتشرت حفلات غريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية لم نشهدها من قبل , ألا وهي حفلات تقام عند الحصول على الطلاق , ولقد تنامت في الآونة الأخيرة في بعض مجتمعاتنا المتحررة منها والمحافظة وباتت يخشى من أن تتحول إلى ظاهرة .

وتتشابه هذه الحفلات مع حفلات العرس , بل أحيانا ما تكون في نفس البذخ وربما أكثر من الذي ينفق في حفلات الزفاف , ويكون فيها طرف واحد يحتفل بذلك ويُدعى إليها الكثيرون من خارج الأسرة كما يدعى إلى حفلات الزواج تماما .

وفي الوقت الذي تقول فيه بعض من أقامت تلك الحفلات  أنها حاولت بكل طريق أن تتخلص من زواجها وبعد أن خاضت سلسلة طويلة من القضايا نالت طلاقها وتقول أليس من حقي أن أحتفل بهذا اليوم ؟!!!!  تقول أخرى أنها أقامت تلك الحفلة لكي تثبت لمن حولها أنها طلقت وهي صغيرة بالعمر وأنها لا تحتاج للرحمة او نظرات الحزن بل يكون هذا الحفل لتراني السيدات وهي بكامل زينتها وانها لم تخسر شيئاً من طلاقها من رجل كان كابوسا بالنسبة لها ولم توفق معه !!! .

ولهذا لابد لكل من يُعنى بشان الأسرة العربية والإسلامية ومستقبلها وأسس بنائها ووسبل المحافظة على كيانها من المربين أن يهتموا بدراسة هذه الأفعال غير المألوفة دراسة جادة كي يقدموا أطروحاتهم حول هذه التصرفات غير المقبولة من المجتمع .

وينبغي على المربين أن ينظروا لتلك التصرفات من عدة وجهات نظر منها :
- في تلك الحفلات كلها التي رصدها معظم الدارسين وجدوا أن من يقيمها المرأة الحاصلة على الطلاق لا الرجل , مما يدل على أن الطلاق كان بالنسبة لها حلما صعب المنال فكان في تحققه مدعاة للاحتفال والفرح والبهجة وأنها تعتبر أنها كانت في سجن شديد كان زوجها جلادها وسجانها وأنها عانت معاناة شديدة أثناء الزواج وأيضا لكي تحصل على الطلاق .
- لا ينبغي دراسة هذه المواقف منفردة مجردة , بل لابد وأن يُنظر إليها على أنها ناقوس خطر يدق بقوة وينبه بوضوح إلى وجود مشاكل حقيقة ومؤلمة تعاني منها الأسرة العربية , ومنها عدم وجود التفاهم الزوجي والأنانية المفرطة لكلا الزوجين والذي يؤدي بهما إلى الطلاق الذي يعتبر حلا موجعا للطرفين , ولهذا فتلك الاحتفالات ماهي إلا عَرَض لمرض متوطن داخل كيان بعض الأسر ولا يجب النظر إليها على كونها المرض الحقيقي .

- على الرغم من أن لقب مطلقة وما يصاحبه من تضييق وحصار ومعاناة للمرأة والذي يعتبر قرارا موجعا وشديدا على نفسها أكثر من الرجل , إلا أن المرأة تلك تقيم لهذا اليوم حفلا وتعتبره يوم ميلاد جديد لها , فهذا لابد وأن ينبه المربين إلى خطورة وإيلام فترة الزواج على تلك المرأة مما يدل دلالة شديدة على تصدع الكيان الأسري والذي يعتبر الرجل مسئولا عنه بنسبة تفوق مسئولية المرأة , فعلى المربين بداية أن يتوجهوا إلى الرجل قبل المرأة لأنه راع ومسئول عن رعيته .

- لا ينبغي أن ينظر المربون إلى تلك الحفلات على أنها مادة للاستخفاف والاستهانة والسخرية , خاصة لأنها صادرة من قبل بعض النساء اللاتي يتصرفن أحيانا تصرفات عاطفية بعيدة عن الحكمة وربما يتصرفن كردود أفعال لكي توجه الواحدة منهن رسالة أخيرة إلى طليقها أن يوم التخلص منه بالنسبة لها يوم فرح واحتفال , لكن يجب أن تدرس لفهم كيفية تغير المفاهيم القيمية في المجتمع الذي يمكن أن يتحول فيه يوم الطلاق من يوم حزن واكتئاب وبكاء - نتيجة زوال وانهيار لبنة من لبنات المجتمع وما يعقب ذلك من مشكلات اجتماعية  - إلى يوم فرح وسعادة وتهنئة , وكيف يتقبل المجتمع المحيط بهن ذلك ويلبي عدد غير قليل تلك الدعوة فياتوا مهنئين على هذه الخطوة بل ويحمل عدد منهم الهدايا , ولهذا فالأمر أكبر وأخطر من كونه حفلا أقيم وانتهى .

- ومما ينبغي على المربين دراسته دراسة مدى تأثير مثل هذا الحفل على الرجل الذي طلقها وعلى ردود أفعاله , فهل بعد مثل هذا الحفل الذي شهده القاصي والداني وبعد أن تم التشهير به وعلم الجميع بأنها كانت في سجن احتفلت بيوم خروجها منه .... هل يمكن أن تلتئم تلك الجروح وتعود العلاقة الزوجية كما كانت ؟  أم يكون مثل هذا الحفل مانعا لمجرد التفكير في إعادة تلك العلاقة ؟

- وهناك بُعد لا يقل أهمية عما سبق وهو بعد تأثير مثل هذه الحفلات على الأبناء – إن كان بينهما أبناء – فهل يحتفلون من أمهم بيوم خلاصها من رفقة أبيهم ؟ ام أن هذه الحفلات ستساهم في تشتيت وضياع الأبناء مما يهدد سلامة المجتمع بخروج نماذج مشوهة ونفسيات معقدة غير متوازنة

- مهما كان الطلاق حلا لمشكلات زواج إلا أنه يعتبر نهاية تجربة في حياة الزوجين وهو أسوأ نهاية لها , بل هو النهاية الفاشلة لتجربة الزواج , فليس في الإمكان ولا المستطاع أن يُمحى من ذاكرة الزوج ولا الزوجة , ولن يعودا إلى سابق عهدهما قبل الزواج , فما الذي يجعل الإنسان يحتفل بيوم إعلان فشله في تجربته إن كان تصرفه هذا معقولا أو مقبولا
لاشك في وقوعه تحت ضغط شديد في زواجه يجعله لا يبالي بأية نتيجة أو رد فعل لهذا التصرف

- وينبغي في تلك الدراسة أن يُنتبه إلى تساؤل هام :
أين دور أهل المرأة في سماحهم لها بإقامة مثل هذا الحفل ؟ وهل وصل الأمر بالأسر العربية والإسلامية إلى حد أنهم لا يستطيعون أن يعترضوا على تصرف امرأة كان أخشى ما تخشاه أن يلاحقها لقب مطلقة الذي يكاد يخنقها ؟ أم ان زيادة حالات الطلاق في المجتمعات قد هونت تأثير هذا اللقب وصار أمرا مالوفا ؟
إن مجتمعاتنا العربية الآن تحتاج أكثر من أي وقت مضى لتضافر جهود كل المربين الغيورين المتبصرين لإصلاح ما نراه من خلل في البناء الأسري الذي يهدد مجتمعاتنا بقوة كالجرثومة السرطانية التي تهدد الجسم كله  .
إن أمتنا اليوم كما هي بحاجة إلى تسلح عسكري لمواجهة الخصوم وتسلح ثقافي للحفاظ على الهوية وتسلح اقتصادي تحتاج في نفس الأهمية وربما يفوق كل هؤلاء إلى تسلح تربوي يقاوم الفساد ويعالج الخلل ويسد الثغور