المعاكسات والخيانات الزوجية.. الأسباب والآثار والعلاج (1-4)
7 ربيع الأول 1431
د. إبراهيم النقيثان

تعريف المشكلة والعوامل المساهمة في ظهورها
مـقـدمـة :
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على الرسول الأمين ... وبعد :
تمر الأمة الإسلامية بمرحلة تراجع حضاري صاحبه تراجع في مستوى القيم السامية التي بناها الإسلام في أبنائه ، وتزامن ذلك  مع الانفتاح على ثقافات غير المسلمين صاحبه ضعف الإيمان وجهل بأحكام الدين ، إضافة إلى استغلال وسائل التقنية بصورة خاطئة!! ، جعل مثل هذه الأخلاقيات المرذولة تجد لها موقع قدم لدى بعض المسلمين

إن موضوعا بهذه الخطورة يمس الدين والعرض والأسرة والمجتمع ، لا يمكن تناوله بصورة وافية وشاملة في مقال واحد ، ولذا سنتناوله بعدد من الحلقات ، حيث تتناول الحلقة الأولى مقدمة وتعريف للمشكلة ، وعرض لبعض العوامل التي تسهم في ظهور المشكلة والتي بلغت ثلاثين عاملا ، في حين نتناول في الحلقة الثانية مظاهر هذه المشكلة ، وتم حصرها في أحد عشر مظهرا ،  وبعض الآثار المترتبة عليها والتي اختزلت في سبع وعشرين أثرا ، بينما تقتصر الحلقة الثالثة على عرض لنماذج من معاناة من كان طرفا فيها ، تم استعراض سبع نماذج واقعية متنوعة لمن اكتوى بنارها ، ونختتم مقالتنا هذه بإرشادات لمن يتصدى لمعالجة مثل تلك المشكلات من أهل الخير والاختصاص ، مع ذكر بعض الأساليب العلاجية والتي قد تجدي نفعا للإقلاع عن هذه الآفة الاجتماعية ومعالجة آثارها  .

 

 

مـدخل للمشكلة :
إن المعاكسات باب من أبواب الخيانة وتعتبر واحدة من أعظم وسائل جلب الفساد وانتشار الفاحشة ، بتيسير اللقاء الحرام ، وما خلا رجل وامرأة إلا دخل الشيطان بينهما ، فالخيانة وسيلة من وسائل دمار الأسر ، وتضييع مستقبل الفتيات.. ، فكم من فتاة عرف عنها ذلك السلوك المشين ، فأغلقت على نفسها باب الزواج عن نفسها ، وعن أخواتها ، وربما عن إخوانها أيضًا !!.
وكم من زوج وقع فريسة للخيانة ، فخسر دينه ، وافتضح أمره ، فتشتت أسرته ، وتطلقت زوجته ، فضاعت وضاع معها أولادها ، وكم من زوجة وقعت فريسة للخيانة ، فخسرت دينها ، وافتضح أمرها فتشتت أسرتها ، وتطلقت من زوجها ، وفرق بينها وبين أولادها .

 

 

والخائن أو الخائنة قد لا يحسن الظن بالآخرين ، فكل حركة من محارمه سيظنها ويؤولها على أنها   معاكسة ، وكل كلمة أو مكالمة سيظنها مع رجل ، كما كان يفعل هو بغيرها ، فتكثر المشكلات ، ويضيع الاستقرار في الأسر ، وكأنها عقوبة من الله تعالى على فعلة السوء ، والتسلط على أعراض الناس .

 

 

ولو تأمل الإنسان في جمال الإسلام ومحاسنه ، وأهدافه ومقاصده ، لوقف على حقيقة ما أراده الله لعباده بإتباعهم دينه ، من الخير والفضل والسعادة في الدنيا والآخرة .
فمن أجلَّ مقاصد الإسلام : حفظ الأعراض ، وحول هذا المقصد العظيم ، تدور جملة من الأحكام  الشرعية ، تهدف كلها إلى الحفاظ على تماسك الأسر ، وحفظ النسل والنسب ، وتطهير المجتمع من الرذيلة والأمراض والأدران ، وصيانة العرض من التهتك والتشويه .

 

 

ولأجل حفظ الأعراض كانت تلك الأحكام على قسمين :
القسم الأول : هو منع وقوع الفاحشة بمختلف صورها ، وقطع الطريق على كل مواردها ، فلقد حرم الله جل وعلا الزنا ، وحرم ما يقرب إليه من إطلاق النظر ، وخفض الصوت ، والتهتك والتبرج ،  وغير ذلك مما يوقع في هذه الفاحشة العظيمة ، وحذر من إتباع خطوات الشيطان وهي ولاشك أنها تقود لأمور أعظم وأطم قال تعالى { لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ  } وقد وردت هذه الآية الكريمة أربع مرات ؛ في سورة  البقرة 168،  والبقرة 208 ، والأنعام142  ، و النور 21.
القسم الثاني : هو سن النكاح ، والترغيب في التعفف والحياء ، وتسهيل الطريق على من أراد الستر الإحصان .

 

 

تعريف المشكلة :
الخيانة ظاهرة سلوكية منحرفة ، تتمثل في تحرش الذكور بالنساء أو العكس بأساليب شتى ، سواء كان هذا التحرش في الأسواق أو المتنزهات أو غيرها من الأمكنة العامة ، أو كان عبر أجهزة الاتصال الحديثة كالهاتف أو الإنترنت ونحوها ، بقصد إقامة العلاقات المحرمة شرعا وأفحشها الزنا .
وهناك من يعرفها : وقوع أحد الزوجين أو كلاهما في علاقة محرمة مع طرف آخر ، تقوم هذه العلاقة على الحب واللقاء والإهداء والممارسات المخلة كالخلوة والوقوع في الفاحشة أو مقدماتها من ضم أو تقبيل ونحوه .

 

 

العوامل المساهمة في المشكلة :
إن مثل هذه الظواهر الاجتماعية ، يصعب حصرها في سبب وحيد أو عامل وحيد ، وإن كان ضعف الصلة بالله جل وعلا من أبرز تلك العوامل ، وكما يقول المثل ، تجوع الحرة ولا تأكل   بثدييها ، ولكن هناك مجموعة من العوامل المتفاعلة مع بعضها تسهم مع العامل الرئيس ، والتي تشكل في النهاية مشكلة شخصية وأسرية وزواجية ومجتمعية ، تتمثل في معاكسة الزوج امرأة لا تحل له ومن هذه الأسباب التي قد ينطبق بعضها على بعض الأزواج ، وبعضها الآخر ينطبق على البعض الآخر ، ومن هذه الأسباب ما يأتي :  

 

 

1- نقص وضمور جذوة الإيمان ، مع قلة الخوف من الله في قلب ذلك الزوج ، وعدم استشعار مراقبة الله ، وبالتالي تقل مراقبته لمن يعلم خفقان قلبه وحبائل تفكيره ، فيطلق لنفسه العنان ليفعل ما يريد ، متناسياً العواقب التي تنتظره ، لذا فغالبا ما يكون من أسبابها ضعف الإيمان ، فالمعاكسات الهاتفية ، ناشئة عن إتباع الهوى وضعف الإيمان ، وإلا كيف يرضى الزوج بانتهاك ما حرم الله ، وبالتعرض لمحارم المسلمين ؟ وكيف لا يغار على محارمه ؟ ألا يخشى المعاملة بالمثل ؟ !! .
2- الجهل بحكم المعاكسات ، وهذا نادر فقد يخفى على البعض حكم المعاكسات الهاتفية في الشرع ، ويظن أن مثل هذا العبث ما لم يصل للزنا أنه لا باس به وأنه جائز !! .
3- نقص الإدراك والتمييز والتبصر بالعواقب ، والانسياق وراء الرغبة المحرمة .
4- ضعف الروابط الأسرية ، من قلة تواصل بين أفراد الأسرة وعدم اجتماع ومودة.
5- إطلاق العنان للنفس والبصر ، للمشاهد المؤثرة الحية ، عبر القنوات أو المواقع على الشبكة العنكبوتية ، أو التمتع الزائف بالصور المنشورة عبر الجرائد والمجلات ، أو ما تلتقطه عيناه في الشارع والمتجر ، فتخزن هذه المشاهد في عقله وفؤاده ،  فتشتعل النار في قلبه ، فيوسوس له شيطانه ، أن يطفئ لهيب هذه النار ، في غير ما أباحه الله له من الزوجة ، من خلال ما يجده من لذة قذرة ، عبر مكالمة أو مشاهدة فيزيد   أوارها .
6- عدم القناعة بمواصفات الزوجة أو الزوج الجمالية ، أو هكذا سولت له نفسه ، مع تأثير المشاهد الحية وغير الحية للنساء الأخريات ، المتجملات بأبهى صورة يمكن أن تظهر بها عبر الشاشة أو المطبوعة .
7- الحاجة المادية للمرأة ، فمع الحاجة وقلة الإيمان وبخل الزوج أو الأب قد تتخذ هذا السلوك الشائن وسيلة للتكسب .
8- قرناء السوء ، وما أدراك ما جلساء السوء ، وهذا السبب من أكثر الأسباب شيوعاً وتشجيعاً على المعاكسات ، فكم من بريء سقط في هذا المستنقع ، من خلال  التبادل القذر لهذه الأمور وأساليبها بين أصدقائه ، ومن خلال التفاخر بنصيب الأسد من معرفة أكبر عدد من الفتيات الغافلات أو السيئات .
9- تغيُّر حال الرجل والمرأة  ـ وخصوصًا الناحية الدينية ـ كأن يبدأ حياته الزوجية متدينًا ، ثم ينقلب على عقبيه ، ويتغير حاله إلى اللامبالاة والتساهل في العبادات .
10- المساحة الهائلة التي يقطعها الذكر والأنثى عبر المنتديات من خلال المحادثة عبر الشبكة العنكبوتية (الشات والماسنجر) ، أو من خلال غرف المحادثة ، دون رقيب أو  حسيب ، مع إغلاق الأبواب الداخلية .
11- العمل المختلط ، وما يجره للذكور والإناث من بلوى لا حدود لها والله المستعان .
12- الملل والرتابة في الحياة الزوجية ، فيميل للتغيير ، متناسيا رقابة الله عليه . 
13- وسائل الإعلام والاتصال الحديثة ، فما يعرض في الإعلام أو على الشاشات أكثره عهر ، ودعوات فاضحة ومكشوفة ، لنزع الحياء وإشاعة الفحشاء ، وتهييج للعواطف ، وتطبيع للرذيلة والفحشاء ، وتأجيج للغرائز ، وإثارة للشهوات من.. أغاني ماجنة ، ولقطات فاجرة ، وأفلام خليعة ، وكليمات رقيعة ، وكليبات فاضحة ، ونحو ذلك مما لا يخفى ، وبجانب ذلك إطلاق  النظر ، وقد قرن الله جل وعلا الأمر بغض البصر بحفظ الفرج ، لما بينهما من تلازم في الغالب .
14- عدم إدراك كل من الذكر والأنثى للزخرف الزائف الآني لهذه اللذة المحرمة، مقارنة بنعيم الآخرة أو عذابها .
15- حرمان أحد الزوجين من الآخر لأساب عدة ،  من سفر أو سجن أمرض أو كبر ، فمع ضعف الإيمان ، ربما نجح الشيطان في تزيين هذا الأمر للتعويض .
16- مساهمة بعض الزوجات أو الأزواج من خلال تقصير تجاه الطرف الآخر ، وبالتالي وقوع أزواجهن في أوحال المعاكسة لضعف إيمانهم ، من حيث لا يدرين من خلال؛ عدم الاستعداد التام للزوج وأخذ الزينة له ، أو إهمال الزوج والانشغال عنه بعالمها  الخاص ، أو من خلال الانشغال بالأبناء عن الزوج ، وكذلك عدم إتاحة الفرصة للزوج بإشباع رغبته بشكل يسد شبقه ، والعكس صحيح بالنسبة للزوجة ، حينما ينشغل الزوج بدنياه أو بزوجته الأخرى ونحو ذلك .
17- سوء التربية والتوجيه ، ففي غياب التوجيه والتربية السليمة يقع المسلم والفتاه المسلمة في هذا المستنقع الآسن .
18- تبرج النساء ، فهو دعوة مبطنة للفساق ليجدوا ضالتهم ، سواء شعرت تلك المرأة أم لم تشعر .
19- وجود فوارق عمرية كبيرة بين الزوجين ، مما ينعكس سلبا على حياتهم الزوجية والنفسية ، وعلى علاقتهم الجنسية .
20- خروج المرأة لغير حاجة ، ولأن التبرج دليل على انحلال من تتصف به في الأغلب ، وبعدها عن الحياء والحشمة ، مما يطمع السفلة من المعاكسين من الذكور في الكلام مع المتبرجات ، أشد من طمعهم في غيرهن .
21- الفراغ العاطفي الذي تعيشه بعض الفتيات ، و تطور وسائل التقنية الحديثة ، مما يدفعها لمعاكسة الشباب ، سواء كانوا أزواجا أو غيرهم ، مما يوفر الفرصة لبعض الذكور للانسياق معهن .
22- النظرة المحرمة ، والبعد عن العفة ، جوانب أسهمت في مثل هذه الظاهرة .
23- اتصاف المعاكسين والمعاكسات بعدم النضج الانفعالي ، وعدم نمو الضمير الاجتماعي لديهم ، وهم لا يزالون يعانون من طفولة الذات الاجتماعية ، وهم نرجسيون ، ولا يوجد لديهم أية مراعاة لمشاعر الآخرين ، وهذه الخصال قد تشجع على هذا السلوك المنحرف .
24- الانفتاح على الثقافات الأخرى ، وفساد الأخلاق ، ويكون هذا ناتجا في الغالب من خلال السفر ، وكذلك من خلال مشاهدة الفضائيات والأفلام ... ، والاختلاط مع النساء في العمل ،  وفي الأسرة من الأقارب أو الجيران ونحوهم .
25- خفوت جذوة الحب بين الزوجين ، وهنا يحس الزوج أن عاطفة الزوجة تجاهه لم تعد كما كانت في السابق ، فلم تعد منجذبة إليه ، ولا تنظر إليه بنظرات الإعجاب والحب ، ولا تمطره بتلك الكلمات التي كان يسمعها منها في السابق ، فيشعر بفتور الحب من   قبلها ، وهذا يشكل نقطة ارتكاز في الخلاف وصدًا مهما بينهما ، ومن هنا يبدأ الزوج في البعد والانصراف ، والبحث عن البديل !! .
26- تسكع النساء وغياب المحرم حين خروجها ، فالبنت هي التي تدعو الأزواج ضعيفي الإيمان لمعاكستها ، بطريقة لبسها ومشيها وزينتها وعطرها ، وقد نهاها الشرع عن الخروج بمثل هذه الهيئة ، درءا للفتنة وصيانة للعرض .
27- دور التقنية الحديثة ووفرتها دون حاجة وسوء استخداما مع ضعف الرقابة، مع والثقة الزائدة فقد تضر أحيانًا .
28- النفور من العملية الجنسية أو بعض حركاتها ، من قبل أحد الزوجين أو كلاهما بسبب الجهل أو المرض أو الانشغال ونحو ذلك .
29- العلاقات السابقة قبل الزواج ، فلا يستطيع الزوج ترك هذا السلوك القذر بعد  الزواج ، فيستمر في هذا المنحدر ، دون أدراك لعواقبه الأليمة ومثله الزوجة .
30- سوء استثمار وقت الفراغ ، وذلك من خلال المعاكسة ، واعتبارها أسلوبا مأمونا وسليما لقتل وقت الفراغ وللأسف .