28 ذو الحجه 1431

السؤال

أنا من أسرة معروفة بتدين وأنا عندي زلات مثل أي مسلم لكن لم أظن أبدا أن تصل إلى هذا الحد، المشكلة أن زوجي يسكن في أوروبا فيسر لي الله المجيء إليه ورزقني الله بولد، لكنني بقيت وحيدة مع زوجي أنتظره الساعات الطوال وتركت مشاهدة التليفزيون والموسيقى وغيرها.
ولكنني بدأت أعاني من تخيلات مؤلمة ووساوس شديدة فيما يتعلق بالإيمان بالله وبالغيب وبعدها صرت أجد في نفسي الكبر وكلما فعلت شيئا أجد نفسي تحدثني أشياء قبيحة فانقلبت حياتي من هدوء وسعادة إلى وساوس، فجعلت برنامجا لنفسي من قيام ليل ودعاء ولكن لم يتركني الألم وصار كل شيء ليس له طعم وصرت أشعر كأنني في عالم آخر.
فحدثت زوجي ولكنه كان دائما يبسط الأمر ويقول هذا من الشيطان، ولكن الأمور تزداد سوءاً.
إنني أعيش في هم كبير وكرب شديد جدا لا اشعر بالسعادة.

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

الأخت الفاضلة إن السعادة حظ المؤمنين، فهي كلمة من المعاني العظيمة التي نقرؤها دوما ونسمعها كثيرا لكننا قلما نستشعر بها على حقيقتها، فهي من الأماني العظيمة والآمال الكبيرة في هذه الحياة، وعلمنا الإسلام أن السعادة ممكنة بل هي أسهل وأقل كلفة من التعاسة والشقاء!
والله سبحانه وتعالى يسر لنا السعادة وأمرنا بها، إن أيام الدنيا قليلة وسريعة الانتهاء والفطن الذي ينتبه لذلك ولا يضيع يوما ولا ساعة يكون فيها حزينا، فإن السعيد يسعد من حوله والشقي الحزين المكتئب يشقى معه من يخالطه ولكن عدو الله وعدونا إبليس الرجيم لا يريد لنا إلا الشقاء.
الأخت الفاضلة.. أضرب لك مثلا: لو وجد الشيطان شابا عابدا بالمسجد وشابا آخر عاصيا مدمنا ومعرضا عن الله فلأيهما يوسوس ويهتم؟ بالطبع يريد أن يبتدئ ليفتن الذي بالمسجد ليخرجه من المسجد ويتدرج معه خطوة خطوة نحو الذنب..
هكذا الشيطان يجد هدفه كلما رأى التردد والاضطراب بداخلك مع التزامك بطاعة الله فكل هدفه ههنا أن يفسد عليك سعادتك ويخرجك من جو السعادة في الطاعة إلى الشقاء في المعصية.
واعلمي أيتها الفاضلة أن أمراض القلوب نوعان، نوع سببه الشهوات، ونوع سببه الشبهات، فالشبهات تمرض القلب وتبعده عن الإيمان عن طريق إلقاء الشك والريب والتردد في الإيمان بالله وبالغيب وبالرسالة النبوية وهذه الأمراض تفتك بالإنسان إذا استسلم لها فلا تتركه إلا بعدما يشك في دينه، إن معرفتك لسبب مرضك – كما ذكرت لك – هو الموصل الأول للعلاج.
وإن كان سبب ألمك هو الشبهات، فإن لديك استعدادا آخر للمرض النفسي الذي يتسبب في هلاوسك النفسية وتخيلاتك التي قد ذكرتي في رسالتك الطويلة جدا والتي اختصرناها بقدر الاستطاعة.
وقد ساعد في ذلك ربما طول وحدتك وكثرة انطوائك، مع سابق خبرات أخرى قد مرت بك لم تذكريها في رسالتك لكنني أظنها موجودة.
انتبهي أيتها الحبيبة وأوصلي ذكرك بالله سبحانه وتعالى ولا تخافي واعلمي انك في رحاب الله مادمت على منهاجه.
فبالذكر يطمئن قلبك قال تعالى " الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب "، لكن الذكر لن يؤثر في القلب مادام القلب غير موقن بربه
وبالدعاء الصادق تزول العقبات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم " لايرد القدر إلا الدعاء " صححه الألباني في الترغيب والترهيب، لكن الدعاء لن يؤثر مادام القلب غافلا ولاهيا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله لايقبل دعاء من قلب غافل لاه " أخرجه الترمذي
أما بالنسبة لغياب زوجك, فأنت لست وحيدة فإن معك نعمة إلهية هي طفلك الذي أرسله الله سبحانه لك ليؤنسك في غياب زوجك فلهذه النعمة عليك بالشكر الكثير لله سبحانه فلا يعرف قيمتها غير المحروم منها.
الأخت الفاضلة.. لزوجك عليك حق فالاكتئاب الذي تضعين نفسك فيه ما هو إلا وهم والزوج لن يصبر منك على ذلك فقد يخفى عليك مرة.. وأخرى.. ولكن في داخل نفسه سيأتي يوما ما وينفجر في وجهك.
إن الزوج بعد غياب عن البيت يريد أن يعود ويجد الابتسامة، فلا تفسدي حياتك بهذه الأوهام والجئي إلى الله بالثقة فيه واستغفري لما قد سبق، ولا تهتمي بما تجدينه من وساوس واستعيذي بالله من الشيطان دائما.
وألحي عليه بالدعاء وخاصة بهذا الدعاء " اللهم إني أمتك بنت عبدك بنت أمتك ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القران ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي "..
احفظيه وردديه من قلبك ولسوف يفرج عنك ويبدلك بدل من الهم فرح وبدل من الضيق فرجا
فإن استمرت معك تلك الخيالات والشكوك والهلاوس فلا تترددي في زيارة الطبيب المختص ليعينك على العلاج فالعلاج والدواء من الأسباب التي أباحها الله.