التربية الأسرية في الإسلام (1)
6 شعبان 1431
د. خالد رُوشه

تقدمة :
أولى الموروث الفكري والحضاري العالمي أهمية استثنائية للأسرة كنواة أولية لكل المجتمعات , واهتم الإسلام بالأسرة كبنية أساسية لمجتمع تسوده الفضائل الإسلامية , وأعطى الزواج قدسية جعلت منه المؤسسة التي يرتكز عليها بناء الشخصية المسلمة , فالأسرة هي البناء الأولي الأول الذي تبنى منه المجتمعات , وهي أول المؤسسة يتعامل معها الأبناء من مؤسسات المجتمع ، فتبني خلالها بيئته الثقافية الابتدائية  التي يكتسب منها االإبن لغته ومعارفه .

وهي بلاشك المؤثر الأول في تكوين الأبناء نفسيا وجسديا , واجتماعيا , وعن طريقها تصاغ المنظومة القيمية والعقائدية الأولية في ذهنيتهم .
كما أنها مسئولة عن حفظ النسل والتوارث , وتمثل الملجأ المجتمعي الأول والملاذ الاحتمائي الإنساني للمرء في مراحله الأولى والمتوسطة  , كما تمثل الأسرة للأبناء أول مراحل التكيف الاجتماعي       social adjustment .

 وفي الأسرة يكتسب الأبناء أولى خبراتهم في إثبات الذات والإقناع ,  وبناء المفردات الشخصية الأولى لهم .
والأسرة أول جماعة يشعر الأبناء بالانتماء إليها , ويكتسبون عضوية فيها , ويتعلمون من خلالها كيفية التعامل مع الآخرين , وكيف يسعون لإشباع حاجاتهم بصورة مقننة ولما كانت المرحلة الأولى من عمر الإنسان هي المرحلة الأهم من مراحل حياته , فقد اكتسبت الأسرة أهميتها لإحاطتها بكل جوانب التأثير في تلك المرحلة بصورة متكاملة بل إن من العلماء من يرى أن أثر الأسرة يفوق أي أثر آخر لأي مؤسسة تربوية واجتماعية في المجتمع , إذ بصلاحها تصلح آثار العوامل والوسائط والمؤسسات التربوية الأخرى وبفشلها تفشل شتى الجهود اللاحقة !

وقد أفرد العلماء والباحثون بحوثا ومؤلفات عديدة حول الأسرة ودورها ووظائفها وما يتعلق بها  , ونحاول في بحثنا هذا المختصر بيان أهم محاور التربية الأسرية مع تسليط الضوي على التربية الاسرية الإسلامية وأهم ما يحتاجه البناء الأسري للنجاح في عمليته التربوية وأهم الوسائل التي يستطيع بها التغلب على التحديات المعاصرة والمنتظرة ..

 

 

المبحث الأول : الأسرة  ( التعريف  , التكوين , دورة الحياة )
أولا : التعريف
** عرفت الموسوعات العلمية الأسرة على أنها :
1-  " وحدة اجتماعية رئيسة تتألف من أشخاص يرتبطون بروابط الزواج ، أو الدم ، وعادة ما يمثلون بيتًا واحدًا." 
2-  " جماعة من الناس توحدّهم صلات قربى قوية قائمة على روابط الدم أو الزواج وتجمعهم روابط العيش المشترك الذي تُراوح أنشطته بين اللهو وتمضية وقت الفراغ والعمل وتناول الغذاء والإقامة والتعاون والثقة والسكنى في دار واحدة. وقد انبثقت هذه الجماعة في ظروف الحياة الطبيعية والاجتماعية للإنسان، لتؤدي وظائف ضرورية لكل من الفرد والمجتمع، أقلها الإشباع العاطفي لأفرادها، وتوفير وضع ملائم للتعاون الاقتصادي والتواصل الجنسي والتناسل ورعاية الذرية والحفاظ على مظاهر الحضارة ونقلها من جيل إلى آخر"

** ونستطيع أن نعرف الأسرة تعريفا إجرائيا من جانبنا في نقاط كما يلي :
1- الأسرة بناء اجتماعي مستقل ونظام رئيس يشكل أساس وجود المجتمع 
2- تبدأ الأسرة بزواج ذكر وأنثى , يسمى الذكر فيما بعد الإنجاب بالأب , والأنثى بالأم 
3- تتكون من مجموعة من الأفراد
4- يربط بينهم رابط القرابة أو الدم
5- يعيشون في مسكن واحد غالبا
6- هي المؤسسة الأكثر تأثيرا والأكبر فاعلية في بناء الشخصية الإنسانية .
7- جوهر جماعة الأسرة هي علاقة الوالد والابن
8- تقوم الأسرة بدور الرعاية والحماية للأبناء حتى يشتدوا ويرشدوا
9- هذه العلاقة غير محددة زمنيا 
10- يتفاعل الأفراد داخل الأسرة كل مع الآخر في حدود أدوار: الزوج والزوجة , الأم والأب , الأخ والأخت , الجد والجدة ...ويشكلون ثقافة مشتركة 

 

** التعريف الإسلامي للأسرة :
" هي الجماعة المعتبرة نواة للمجتمع والتي تنشأ برباط زوجي بين الرجل والمرأة عن طريق عقد يفيد حل المعاشرة بينهما ثم يتفرع عنهما الأولاد وتظل هذه الصلة وثيقة بأصول الزوجين وفروعهما ويحدد العقد بين الزوجين ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات "
                                                                                                                                                                                       (( يتبع الجزء الثاني ))