ثانيا : التكوين الأسري :
1- أساس التكوين :
أساس تكوين الأسرة هو العلاقة بين الذكر والأنثى والتي تشمل العلاقة الجسدية بينهما , وعلاقات التفاعل الحياتية الأخرى ..
وفي حين تشترط الأديان السماوية جميعها – اليهودية والمسيحية والإسلام - أن تكون العلاقة الأولى بين الزوج والزوجة علاقة مشروعة بعقد يسمح به الدين ويشهد عليه المجتمع , فإن مجتمعات مختلفة – غربية وشرقية - منها ما يدين بالمسيحية أو اليهودية أو الوثنية , تسمح مجتمعاتها أن تبتدئ تلك العلاقة بشكل آثم دينيا , وتسمح أعرافها بجعل عقد الزواج متأخرا عن العلاقة الجسدية بين الزوج والزوجة .
والإسلام منع منعا باتا حدوث أية علاقة بين الزوجين قبل عقد الزواج المعتبر شرعا كما سبق وبينا , بل يشترط تقديم عقد الزواج عن أية علاقة جنسية بين الزوجين .
وقد أقرت بعض القوانين في الدول الغربية أشكالا مستنكرة من البناء الأسري , ففي المادة الأولى من القانون السويدي الصادر في 14 مايو 1987 اعترف القانون للمتعايشين من الجنس الواحد بحق تكوين الأسرة سواء أكان ذلك بين رجال ورجال أو بين نساء ونساء , كما اعترف القانون السويدي للمرأة والرجل أن يرتبطا لتكوين أسرة ويكونا علاقة تشبه العلاقة الزوجية بالتراضي بينهما دونا أن يكونا متزوجين فعليا بعقد رسمي أو ديني
2- العلاقات داخل الأسرة :
تنشأ الحياة الاجتماعية والخبرات التربوية عندما يتفاعل الأفراد فيما بينهم كل بدوره ويعتمد التوجيه التربوي داخل الأسرة على مدى قيام كل منهم بهذا الدور المنوط به والذي ينتظره الآخرون منه بحسب تصورهم عنه .
أ – العلاقات بين الزوج والزوجة :
يتمثل النموذج العلاقي في الأسرة بوجود محورين رئيسين فيها هما الزوج وزوجته , ويكون الأب هو رئيس الأسرة , ويصدر القرارات الخاصة بالمنزل ويعمل جاهداً في توفير الحاجات الأساسية للحياة الأسرية
وتقوم الزوجة بمشاركة الزوج حياته ومسكنه ومعيشته وتكون علاقتها معه علاقة التفاهم والتطاوع , ويشتمل عمل المرأة على تربية أطفالهم ورعايتهم .
ومع التطور الذي حدث في الحياة الاجتماعية , فقد اختلفت تلك الصورة في بعض البيوت وصار على بعض النساء أن تتحمل مسئولية الحاجات الأساسية للأسرة .
وفي المجتمعات الغربية بالخصوص تحملت المرأة مسئوليات متكاثرة في أسرتها كالعمل للتكسب والإنفاق على الأسرة بالمشاركة مع الزوج وتحمل مسئولية قرارات المنزل معه ..
وتدل دراسات متكاثرة على سلبيات متعددة تشكو منها الزوجة الغربية نتيجة تلك المسئوليات التي تتحملها كعبء عليها لا تستطيع القيام به , وظهرت مطالبات كثيرة من زوجات غربيات بتقدير أكثر لذواتهن كنساء , وعدم تحميلهن أكثر مما يطقن ..
ب – العلاقات بين الآباء والأبناء :
سبق أن ذكرنا أن جوهر جماعة الأسرة هي علاقة الآباء والأمهات بالأبناء , والتي قد تختلف وتتباين معالمها من ثقافة لأخرى ..
ونستطيع أن نقول إن الطبيعة البشرية تعتبر إنجاب الأولاد خطوة لابد منها بعد الزواج , وأن من يمنعه الله الولد يظل يتمنى الإنجاب بالعموم , إلا أن النظرة للولد قد تختلف .
ففي حين يعلق الإنسان الغربي قراره بالإنجاب على جوانب اقتصادية ونفسية ومجتمعية وصحية , فالإنسان العربي ما زال محباً للأولاد , فهو يفخر بهم, وخاصة إذا كانوا ذكورا . وإذا لم يرزق الشخص بولد ورزق ببنات فإنه يظل راغباً في إنجاب الذكور لأنه يعتبر الذكر مصدر اعتزاز . " وهذا غالباً ما نجده ينطبق على مناطق كثيرة سواء كانت حضرية أو ريفية كما أنه يوجد تشابه بين الريف والحضر في الرغبة في كثرة الإنجاب وخاصة إنجاب الذكور" وفي حين يظل اعتماد الأبناء على الآباء في الحماية والإنفاق إلى سن قريبة قد لا تتعدى 18 سنه – هي العمر المحدد لنهاية مرحلة الطفولة في قرارات الأمم المتحدة – فإن الأبناء يظل اعتمادهم على الآباء فيما يخص الحماية والدعم المعنوي والاقتصادي حتى سن متأخرة في البلاد العربية على وجه الخصوص والشرقية على وجه العموم حتى يستطيع الابن أن يتكسب ويستطيع الزواج وبناء أسرته الجديدة الخاصة به .
ج – العلاقات بين الأبناء أنفسهم :
أبناء الأسرة هم أفراد يعيشون في عالم الصغار ابتداء ويكبرون تدريجيا و يتلقون مجموعة مختلفة من الخبرات خلال معيشتهم المشتركة . " وتتميز العلاقات بين الأخوة بالإشباع والشمول كما تتسم بالصراحة والوضوح ومما تجدر الإشارة إليه أن مكانة الأبناء تختلف حسب تسلسلهم داخل الأسرة عادة "
3- العلاقات الأسرية في منظور الإسلام :
نظر الإسلام إلى العلاقات في الأسرة نظرة إيجابية , وسعى المنظور الإسلامي دوما لحل الصراعات داخل الأسرة وتذويب الخلافات والعمل على إقامة وحدة مجتمعية مترابطة ومؤثرة .
فعلى مستوى العلاقة بين الزوج والزوجة فإن العلاقة بينهما هي علاقة وثيقة للغاية سماها القرآن الكريم ميثاقا غليظا فقال " وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا " , واعتبر القرآن الكريم أن المودة والرحمة هما أساسا البناء الأسري النفسي فقال الله تعالى " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة .." .
كما اعتبر الإسلام العلاقة بين الآباء والأبناء هي علاقة عطاء متبادل , قائمة على البر والرحمة , فالوالدان يقوما بتربية الأبناء ورعايتهما رعاية كاملة منذ الصغر وحتى يكبروا ويشتدوا ويستطيعوا الكسب والحماية لأنفسهم , والأبناء يبروا آباءهم في حياتهم وأثناء كبر عمرهم وحتى موتهم برا بالغا تحيطه الرعاية والبذل والعطاء , وقد صور القرآن الكريم هذه العلاقة في أكثر من آية قرآنية تصويرا بديعا كما يلي :
قال سبحانه :" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا "
وعلى مستوى العلاقة بين الأبناء , فإن الإسلام أمر الوالدين بمراعاة العدل بينهم في التربية والعطاء حتى تذوب الخلافات والأحقاد بينهم وأمر بحسن علاقة الأخ بأخيه , كما أمره أن يربط بينهما رباط الإيمان مع رباط القربي والرحم .
(( يتبع .............))