الوصية الأولى: إخلاص العبادة لله تعالى.
إخلاص العبادة لله تعالى وحده شرط لقبولها، وذلك بأن تكون أعمال العبد كلها لله تعالى من صلاة ودعاء وطواف وسعي وغير ذلك من أقواله وأفعاله ونفقاته، بعيداً عن الرياء والسمعة، لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، كما قال تعالى: (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )) [الكهف/110]، وقال تعالى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين )) [البينة/5]، وإذا نوى العبد التقرب إلى الله تعالى في جميع أحواله صار ذلك سبباً في زيادة حسناته وتكفير سيئاته، كما دلت السنة على ذلك.
الوصية الثانية: معرفة صفة الحج.
يجب على من عزم على الحج أن يعرف أحكامه وصفة أدائه، فيعرف صفة الإحرام، وكيفية الطواف، وصفة السعي، وهكذا بقية المناسك، لأن شرط قبول العمل: أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى – كما تقدم – وموافقاً لما شرعه في كتابه أو على لسان نبيه “صلى الله عليه وسلم” ، فمعرفة أحكام الحج لمن أراد الحج من الأهمية بمكان ؛ ليعبد المؤمن ربه على بصيرة، ويحقق متابعة النبي “صلى الله عليه وسلم”، وقد قال النبي “صلى الله عليه وسلم”: ( لتأخذوا مناسككم ) أخرجه مسلم (1297).
ووسيلة ذلك أن يسأل أهل العلم عن كيفية أداء المناسك، أو يقرأ في كتب المناسك – إن كان ممن يقرأ ويفهم – أو يصحب رفقة فيهم طالب علم يستفيد منه.
ومن الناس من يقع في الخطأ في أداء الشعيرة العظيمة، كصفة الإحرام أو صفة الطواف أو السعي أو غيرهما لأسباب:
1- الجهل وعدم تعلم أحكام المناسك.
2- عدم سؤال أهل العلم الموثوق بعلمهم وورعهم.
3- سؤال من ليس من أهل العلم.
4- تقليد الناس بعضهم بعضاً.
والواجب على المسلم أن يحرص على ما يبرئ ذمته من تبعة واجبات الدين، وأن يتعلم كيف يعبد ربه، وكيف يعامل عباده ؟ فإن هذا العلم فرض عين على كل مسلم ومسلمة، ليعبد الله تعالى على علم وبصيرة.
الوصية الثالثة: التأسي بالنبي “صلى الله عليه وسلم” في أداء الماسك.
على المسلم أن يتأسى بالنبي “صلى الله عليه وسلم” في أداء المناسك، ويفعل كما كان يفعل صلوات الله وسلامه عليه، لأنه قال: ( لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذا ) رواه مسلم، وعند النسائي (5/270) بلفظ: ( يا أيها الناس خذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا ).
ويحذر من البدع التي ألصقها بعض الناس بالمناسك مما ليس له أصل في دين الله تعالى.
الوصية الرابعة: تعظيم شعائر الله تعالى.
يتأكد في حق الحاج أن يعظم شعائر الله تعالى، ويستشعر فضل المشاعر وقيمتها، فيؤدي مناسكه على صفة التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لله رب العالمين، وعلامة ذلك أن يؤدي شعائر الحج بسكينة ووقار، ويتأنى في أفعاله وأقواله، ويحذر من العجلة التي عليها كثير من الناس في هذا الزمان، ويُعَوِّد نفسه على الصبر في طاعة الله تعالى، فإن هذا أقرب إلى القبول وأعظم للأجر.
الوصية الخامسة: في الحج المبرور.
ورد عن أبي هريرة “رضي الله عنه” أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قال: ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) أخرجه البخاري (1683) ومسلم (1349).
والحج المبرور ما أجتمع فيه أربعة أوصاف:
الأول: أن تكون النفقة من مال حلال، قال النبي “صلى الله عليه وسلم”: ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً … ) أخرجه مسلم (1015).
الثاني: البعد عن المعاصي والآثام، والبدع والمخالفات، لأن ذلك إذا كان يؤثر على أيِّ عمل صالح ؛ وقد يكون سبباً في عدم قبوله ففي الحج أولى.
الثالث: أن يجتهد في المحافظة على واجبات الحج وسننه، ويتأسى بالنبي “صلى الله عليه وسلم” في ذلك، وأن يعظم شعائر الله تعالى – كما تقدم – .
الرابع: حسن الخلق، ولين الجانب، والتواضع في مركبه ومنزله وتعامله مع الآخرين وجميع أحواله، كما كان عليه النبي “صلى الله عليه وسلم” في حجته.
وما أحسن ما قاله ابن عبد البر: كما في « التمهيد » (22/39): ( وأما الحج المبرور فقيل: هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولا رفث ولا فسوق، ويكون بمالٍ حلال... ).
الوصية السادسة: في الاستفادة من الوقت.
على المسلم أن يستفيد من أوقاته ويستغرقها في طاعة الله تعالى من صلاة وتلاوة قرآن وذكر، وقراءة في الكتب النافعة، ومدارسة للعلم، وهذا يتم باختيار الرفقة الصالحة، فإن الحاج ما خرج من بلده وترك أهله إلا لطلب الأجر والثواب، وهو يرجو أن يعود وقد غفر الله له ذنبه، فعليه أن يغتنم الأوقات الفاضلة في الأماكن المقدسة، وعليه أن يحذر من إضاعة الوقت فيما لا نفع فيه، وعليه أن يجتنب المعاصي والآثام طوال دهره، وفي المواضع الفاضلة والأزمنة الشريفة تكون التبعة أعظم، وقد يؤثر ذلك على الطاعة وينقص ثوابها.
الوصية السابعة: في التوبة النصوح وقضاء الدين.
يتكرر في كلام أهل العلم – رحمهم الله – وصية من أراد الحج بالتوبة من جميع المعاصي، والخروج من مظالم العباد، وقضاء ما أمكنه من الديون، وذلك لأنه لا يدري ما يعرض له في سفره.
وهذا أمر ليس له اعتبار عند كثير من الناس، فترى الواحد منهم يذهب إلى الحج ويرجع وهو متلبس بذنوبه، متدنس بخطاياه، وقد يستمر في ارتكاب ذلك حتى في الأزمنة الفاضلة، والأماكن المقدسة، لا يحدث نفسه بتوبة، ولا يجري على باله إقلاع وندم، وهذا أمر ينبغي التفطن له، وعليك يا أخي أن تتأمل قوله تعالى:(( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ )) [البقرة/197].
إن التوبة في الأزمنة الفاضلة لها شأن عظيم، لأن الغالب إقبال النفوس على الطاعات ورغبتها في الخير، فيحصل الاعتراف بالذنب والندم على ما مضى، وإلا فالتوبة واجبة على الفور في جميع الأزمان ؛ لأن الإنسان لا يدري في أيِّ لحظة يموت، ولا سيما من يتعرض للأسفار والأخطار، ولأن السيئات تجر أخواتها، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في مجموع الفتاوى (34/180) أن المعاصي في الأيام المفضلة والأماكن المفضلة تُغلَّظ، وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان.
أما بالنسبة للدَّين فكلام أهل العلم على أنه ما نع من الاستطاعة المشروطة في وجوب الحج، سواء كان الدين لله تعالى كالنذور والكفارات، أو لآدمي كقرض وأجرة وثمن مبيع ونحو ذلك، فإن كان عند المدين مال يكفي للحج وقضاء الدين فلا بأس أن يحج، لكن عليه أن يبادر بقضاء دينه إن كان حالاً مسارعة لإبراء ذمته، لأنه لا يدري ما يعرض له، فإن كان مؤجلاً أبقى من ماله ما يكفيه لقضاء دينه، وأوصى بذلك، ومثل ذلك من كان بينه وبين الناس معاملات له حقوق وعليه حقوق، فهذا له أن يحج، لكن عليه أن يبين ماله وما عليه .
أما إذا كان المال قليلاً لا يكفي لحجه ولقضاء دينه، فقضاء الدين مقدم، فيكون غير مستطيع، فلا يدخل في عموم قوله تعالى: (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) [آل عمران/97]، ولا يكفي في ذلك استئذان صاحب الدين، لأن المقصود براءة الذمة، لا استئذان صاحب الحق، فإنه لو أذن لم تبرأ ذمته بهذا الإذن ما لم يبرئه منه.
الوصية الثامنة: آداب عامة.
للحج آداب عامة تتعلق بالإنسان مع نفسه وآداب تتعلق بالإنسان مع غيره، ومن أهمها ما يلي:
1- التأدب بآداب السفر من الدعاء عند الركوب وعند توديع الأهل والأصدقاء، وعند النزول، والتكبير إذا علا مرتفعاً، والتسبيح إذا هبط وادياً، وعدم النزول في الطريق أو قرب الطريق، والرفق بسيارته، وتفقد أجزائها لتظل صالحة لركوبه وبلاغ غايته.
2- الصبر وتوطين النفس على تحمل المشقة، فلا يتأفف من طول طريق أو حرٍّ أو زحام أو قلة طعام أو نحو ذلك، فإن الحج فيه مشقة، وفيه تعب، وإن كانت الطرق ممهدة، ووسائل النقل ميسرة.
3- عليك أيها الأخ الكريم أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتعلم الجاهل، وترشد الضال، وأن تحرص على فعل المعروف وإسداء النفع للآخرين ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
4- أن تطيع الأمير ولا تنفرد عن رفقتك برأي تصرُّ على تنفيذه، وأن تكون محباً لخدمة رفقتك حريصاً على راحتهم.
5- احفظ لسانك من القيل والقال، ومن اللغو والكلام الباطل، وتجنب الإفراط في المزح، فأوقاتك شريفة، وساعاتك غالية، فلا ترخصها بمثل ذلك.
حج بيت الله الحرام، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، كما تقدم في الحديث الصحيح، وهو فرض على كل مسلم ومسلمة يستطيع السبيل إليه في العمر مرة واحدة، كما قال الله سبحانه: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع » (2)، وقال صلى الله عليه وسلم: « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة » (3)، وقال عليه الصلاة والسلام: « من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه » (4). فالواجب على حجاج بيت الله الحرام أن يصونوا حجهم عما حرم الله عليهم من الرفث والفسوق، وأن يستقيموا