المرأة في ايام الحج .. المشاعر والسلوك
7 ذو الحجه 1431
أميمة الجابر

بينما دمعات المؤمنات في البيوت تتساقط حزنا لعدم قدرتهن اللحاق بركب الحجيج هذا العام , فإن دمعات أخري صادقة تذرف من مؤمنات أخريات يلبسن ثياب الإحرام ويرفعن أصواتهن بالتلبية في نوع خاص من الجهاد أمر به النبي المرأة , جهاد تتشرف به المؤمنة  , بينما هي في أماكن كثيرة من أقطار الإسلام تحاول بناء اجيال جديدة يملؤها الإيمان  , وعلى الجانب الآخر فهناك دمعات منتظرة ينبغي ان تذرف على نساء أخريات فقدن أبناءهن وأزواجهن بينما تغتال أحلامهن أيدي المحتل الغاشم في بلاد مثل فلسطين والعراق وغيرها ..

 

**** "إذا لن يضيعنا الله أبدا "
إنها كلمة الصالحة هاجر زوجة إبراهيم عليه السلام ومعها وليدها في ظلمة الليل البهيم وحولها آلاف الكيلومترات من الصحراء الشاسعة المخيفة , سكون مفزع يمنع انتظار أي نوع من أمل يمكن أن يأتي
وتشتد الأزمة , ويفزع القلب  , فكيف تتجاوب مع تلك الجبال قاتمة السواد ؟! إنها إذن هالكة لا محالة .

إلا أنها لأنها نموذج خالد للمرأة المؤمنة تمسك بيد زوجها الذي أولته كل ثقتها في حسن تصرفه , آالله أمرك بهذا ؟ فقال: عليه السلام " نعم " قالت : "إذا فلن يضيعنا "
إنه درس من دروس اليقين , ستظل هاجر تعلمه لكل مسلمة اهتز يقينها في نصرة ربها لها ولأمتها , أو استبطأت تفريج كربتها أو تجفيف دمعتها .

 

**** صيحة التوحيد
 إن صيحة "لبيك اللهم لبيك" , الدافقة من حناجر المؤمنات هناك عند الصفا لتهز جذوع شجرة الشوق للقاء الله وتلبية نداه في كل قلب مسلم .
إنه نداء التوحيد الذي يحتوي كل حالة للمسلمات في ربوع الأرض من ميلادها إلى الممات وفي يقظتها ونومها فهو الترجمة العملية طوال أيامها , ومهما واجهت في عمرها "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " , فلا أمل لي إلا بك ياربي ولا ناصر لي إلا أنت ولا عائل لي سواك ولا رازق يرزقني غيرك , ولا حامي يؤمنني إلا رعايتك ياارحم الراحمين , لاشريك لك لبيك .
وكأن على المؤمنة أن تكون في حالة دائمة من التلبية والاستجابة , طاعة لله وخضوع لشرعه وهداه .

وفي هذه الأيام المباركات لئن رفعت الحاجة صوتها بالتلبية فالمسلمات في كل مكان يرفعن صوتهن بذكر الله والتسبيح والتحميد والتهليل مشاركة لنداء التلبية .
إن حزنا كبيرا يعتريني كلما رأيت التهاون الكبير عند كثير من المسلمات في الإعداد لتلبية النداء للحج , خصوصا ما نراه من المسلمات في بلادنا العربية , على الرغم أن إسلامنا العظيم كرمها ووضع لها استقلاليتها في هذه العبادة حتى ولو رفض زوجها , لكن مشكلتنا في إهمال تلك الفريضة ظاهرة واضحة , مخالفة لمقتضى التلبية الذي نتفق جميعا – نحن المسلمات – عليه ونبتهج له ونتمتم به كلما سمعناه عبر آليات الإعلام .
إن واجبا علينا ولاشك أن ان نضع النية في قلوبنا لتلبية النداء الكريم فور تيسره لنا بمجرد انتهاء العائق المانع لهذه الفريضة .

 

**** مشاركة العبادة والسعادة
هناك نوع كبير من المشاركة يمكننا أن نلحظة في تشريع الأيام العشر , قد شرعه الله سبحانه للمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها تشارك فيه المرأة في بيتها أختها التي ارتدت ثياب الإحرام وقامت بالمناسك في الأراضي المباركة .
فهناك التلبية وهنا ذكر الله بكل الأشكال , وهناك الإحرام وهنا التزهد والتقلل من الدنيا في تلك الأيام حتى يأتي العيد , , ثم صوم العشر ثم مشاركة يوم عرفه , وهناك النحر وهنا ذبح الأضاحي والتصدق بها على الفقراء والأرامل والمحتاجين  , ثم يأتي يوم العيد فهو يوم التحلل سواء الأصغر أو الأكبر للحجيج , فيفرحون ويسعدون , والمؤمنات في بيوتهن يسعدن ويبعثن الفرحة لأسرهن وأبنائهن وذويهن .

وبينما تتشارك المؤمنات هذا النوع الراقي من مشاركة المشاعر والشعائر , فإن هناك مشاركة من نوع آخر ينبغي أن تشارك فيها الأخت أختها المحاصرة في غزة والثكلى في العراق والجائعة في سهول الصومال وفي شتى البقاع الدامية , فالدعاء الدعاء , والتصدق بالغالي والثمين , وغيره مما تيسر

 

**** حاجة وداعية في المشاعر والسلوك
التي اختارها الله سبحانه لحج بيته هذا العام والتي تنوي اللحاق بها عليها واجبات مهمة سواء في الشعور الداخلي أو السلوك الخارجي , عليها ان تفتقر إلى الله سواء كانت في الحجيج او كانت في بيتها , تتذلل وتتوسل لخالقها لطلب المغفرة والغفران متوكلة عليه , فجهدها في رعاية بيتها جهاد وذهابها لأداء الفريضة جهاد فلابد ان تكون على ثقة تامة بالله , ثابتة أمام العثرات , فالحياة لا تخلو من المشكلات والثورات والهموم فلابد من اليقين بأن الله لن يضيعها ابدا مادامت على منهجه وما دامت تتحلى بالتوكل عليه فهو سبحانة وتعالى ملجأ الخائفين ومغيث المستغيثين وناصر المستضعفين .

وينبغي عليها وهي في رحاب الله آن تكون قدوة في مكانها ,  ففي أوقات الحج ما أكثر الذكر والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فكما كانت داعية في بيتها قدوة لأولادها وجيرانها وأهل بيتها فأقل القليل ههنا هو القول الحسن , المعاملة الحسنة , مد يد العون لمن حولها من ألوان المساعدة بجهد مبذول او بمال او بخدمات , أو بعلم ينتفع به او نصح أو تذكرة أو خلق حسن  , وألفت ههنا انتباه أخواتي الحبيبات إلى استرضاء الأزواج واستغلال تلك الأيام للتوافق معهم وابتداء صفحة جديدة من المودة والمشاركة , وللأسف فكثير من المؤمنات يغفلن جانب الزوج من جهة التوافق والتفاهم , فيكتفين بقضاء يوم سعيد أو ساعات سعيدة في أيام العيد أو ما قبله , فلنستغل أيام التقى في ذلك من كل جانب .

 

**** نصيحتي لك ولنفسي
أيتها الحبيبة المؤمنة إنها أيام كريمة وساعات نفحات إيمانية عظيمة فلا تضيعي منها لحظة , وعليك بالاستغفار والدعاء والذكر , ولابد بأن يسبقك الإخلاص فإنك تاركة الأهل والولد والوطن ذاهبة راجية رحمة رب غفور رحيم ودود كريم وإلا فقد تعودي بعد الجهد و التعب بدون فائدة , وتحلي بالصبر في المواقف , والتقلل من الدنيا فما شرع الإحرام إلا لترك الترفه والتنعم  , وعليك أيتها الملبية الاختلاء بنفسك معظم الوقت ولا تنشغلى إلا بالذكر والدعاء والشكر والاستغفار , فالشكر يحفظ النعمة و الاستغفار يعالج الخلل عسى ربنا ان يتقبلنا عنده ويتجاوز عن تقصيرنا .