وما أدراك ما سن الأربعين 2
22 محرم 1432
يحيى البوليني

دور الزوجة في مواجهة الازمة

ولقراءة الجزء الاول اضغط هنا

 

حينما تجد الزوجة نفسها منوطا بها أن تحافظ على كيان البيت الذي بذلت كل جهدها وسخرت كل إمكاناتها في سبيل بنائه وتدعيمه واستقراره , وحينما تجد أن زوجها الذي شارك معها في وضع لبناته وتحملا معا كافة مشاق العمر وتجده وهو في سن النضج يتباعد تدريجيا عن عالمها وتجده منصرفا عنها وعن البيت لشأن لآخر يحيطه دوما بالسرية التامة , حينها لابد وأن تدرك أن بيتها يتعرض لأكبر اختبارات ثباته و لابد لها أيضا أن تدرك أنها وأسرتها في مفترق الطرق وأن زوجها يعاني في تلك اللحظة معاناة خاصة بل قد تُشكل  أكبر معاناة يعيشها ذلك الزوج في حياته .....

 

  في تلك اللحظة بالذات يتحتم عليها أن يكون لها دور واضح ومؤثر - بل لابد وأن لا يكون لغيرها ذلك الدور - الذي يأخذ بيد زوجها وينقذه وينقذها وينقذ الأسرة والبيت الذي تكبدت فيه كافة أنواع المشاق والآلام حتى صار إلى ما صار إليه .
وتختلف ردود أفعال الزوجات عند اكتشافها أو عند غلبة ظنها بان هناك تغيرا في حال زوجها وأنه يمر بتلك الأزمة التي قد لا تعلم عنها شيئا من الناحية العلمية , فمنهن من تثور وتغضب ومنهن من تُدخل في تلك المشكلة أطرافا أخر لا يزيدون المشكلة إلا تعقيدا ومنهن من تطلب هدم هذا الكيان كله دون نظر لسابق عهد زوجها ودون نظر ايضا لعاقبة هذا القرار على أبنائهما وعلى نفسية الزوجين أيضا .

 

وليس غريبا أن نطلب من الزوجة أن تساهم بإيجابية في إنقاذ زوجها وبيتها في الوقت الذي نعلم فيه أنها أيضا قد تمر في نفس التوقيت بتغيرات هرمونية ونفسية تحتاج فيه هي أيضا للمعونة ولكننا نطلب منها المساهمة الفعالة باعتبارها الأكثر عطاء في الشراكة الزوجية والأكثر تضحية والأعظم أجرا عند الله سبحانه وهي أيضا الأكثر توصية من الله بالإحسان لها لكثرة ما تحملته .
ويمكن أن نضع رؤوس موضوعات فقط لما يمكن أن تفعله الزوجة مع ترك التفاصيل لكل زوجة تبتكر فيها كما تشاء وتقدم وتؤخر ما يجب فعله فهي الأعلم بزوجها وهي الأقدر على أن تعرف ما يؤثر فيه أكثر من غيره :
- استعيني بالله سبحانه على أن يقدرك على تحمل تلك الأزمة حتى تنفرج وأكثري من الصدقة والذكر والدعاء لمقلب القلوب سبحانه 

 

-       لا يحب معظم الرجال أن يشعروا أو يُشعروا أحدا أنهم مرضى , وأشق شيئ على الرجل أن يُظهر تألمه , فقد يكتم الألم سنين ولا يصرح به حتى لزوجته إذ يعتبر أن في ذلك منقصة او عيبا , فكيف يعترف أمام زوجته أنه يمر بأزمة ؟ وهنا لابد للزوجة أن لا تُشعره أنها تعلم أنه في أزمة , ولا تناقش هذا الأمر معه , بل لابد وأن تتغافل عنه , فلا تلفت نظره أنها متعجبة من اهتمامه بمظهره أو لفعله أشياء قد نسيها منذ زمن طويل فتجعله يحذر منها في تصرفاته فيبالغ في السرية بل لابد عليها أن تستمر في الوسائل الأخرى
-       احذري - مع يقيني الكامل أنه لن يقول الحقيقة -  من أن تحاصريه وتمطريه بالأسئلة التي لن يجيب عنها بصدق والتي ستضطره إلى الكذب , فعاونيه على التمسك بفضيلة الصدق بعدم كثرة أسئلتك والاكتفاء بما قاله إجمالا حتى لا يعتاد لسانه على الكذب ويستمرئه , ولا تستخدمي أسلوب المحقق معه .

 

-       حذار من إدخال أي طرف آخر خارجي - حتى وإن لاحظ ذلك الطرف مثل ما لاحظته أنتِ وتساءل مثل تساؤلاتكِ , فلابد وأن تُبعدي كافة الأطراف الخارجية - والتي يُعتبر الأبناء في هذه اللحظة من الأطراف الخارجية التي يجب وأن تُبعد تماما عن ذلك -  وعليكِ المسارعة بنفي تلك الشبه عنه وأحسني القول فيه وأكدي دوما على الثقة بزوجك , وتحملي ذلك العبئ بمفردك وليكن باب شكواكِ الوحيد لله سبحانه وتعالى " قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ " 
--  حاولي التقرب منه قدر استطاعتك ولا تملي من محاولة الحديث معه دون إثارة مشكلات جانبية معه , وحاولي أن تشعريه بأهميته وبقيمته وبعدم الاستغناء عنه , كما أشعريه بعدم وجود أي ارتباط يستطيع أن يأخذكِ منه , على أن تتقني الابتعاد عنه وتركه منفردا بنفسه في الوقت الذي لا يريد أن يقترب منه أحد .

 

-        أتقني فن الإستماع له إذا أراد أن يتحدث في أي موضوع حتى لو كان كلامه مكررا ولا تنشغلي عنه ولا تتشاغلي بأي شئ في تلك الفترة حتى يجتازها بسلام , وحادثيه في أي موضوع مشترك بينكما بخلاف المشكلات التي يتعرض لها البيت أو الأبناء , لأن من أحد أهم أسباب استعذابه لحديث غيركِ أن حديث الازواج بعد مضي فترة من الزواج ينحصر في تلك الموضوعات لا غيرها , والنفس تمل الحديث فيها خاصة إن كان مكررا
-       أظهري الإحترام لرأيه بصورة أكثر من السابق فلا تسفهي له رأيا ولا تقللي من قدره لأن الأخريات يفعلن معه أكثر من ذلك , لأنهن ينظرن لكلماته ومواقفه نظرة إعجاب كبيرة تأسر لبه , وأظهري له أنه لولا استئناسكِ برأيه لما استطعت الوصول للرأي الصائب حتى لو كان رأيكِ سلفا كذلك , فلا شيئ أسرع للوصول للقلوب من المدح

 

-       أظهري إعجابكِ بما يطوره في مظهره , وأنه باهتمامه ذاك بمظهره قد أعاد إليكِ الصورة الأولى التي ظهر بها أمامكِ عندما رأيته أول مرة , فإن ذلك يشجعه على تعديل نيته في ذلك بأن ينتظر رأيكِ أنت  في كل ما يحدثه من تغيير ومن ثم تدخلين بؤره اهتمامه مرة أخرى , واعلمي أن ردة فعلكِ لمظهره ستكون الأولى , ولذا فكل من سيمدح مظهره بعدكِ سيكون كلامه مكررا لا قيمة له , ولا تهاجميه في اهتمامه بمظهره ولا تذكريه بكبر سنه فإن هنالك من سيتلقفه ويسمعه مالا تتصورين من الكلمات .
-       ادفعيه برفق بطريقة غير مباشرة وشجعيه على الانشغال في أمر هام ويضعه كهدف يملأ به فراغ وقته وذهنه , فأغلب أسباب هذه الحالة الفراغ الذهني بعد أن قضى أغلب فترة شبابه في العمل الذي كان لا يترك له من الوقت إلا القليل , فيمكن الانشغال في جمعيات خيرية أو في عمل تطوعي للاستفادة من خبراته وعلاقاته وإمكاناته , فالانشغال سوف يخرجه تلقائيا من هذه الحالة

 

-       اعملي دائما على أن لا يقبع داخل البيت لفترة طويلة انتظارا ليوم عمل جديد دون أن يرى أصدقاءه القدامى أو معارفه أو اقربائه , فحثيه أن يلتقي بهم ويجلس معهم كي يفرغ معهم ما يملأ صدره , لأن تفريغ تلك الشحنة لن تتم معكِ بأي حال ولكنها مع أقرانه وأصدقائه ستتفرغ حتما وسوف ينصحونه بما يمليه عليه العقل في موقفه الحالي كي لا يتخذ قرارا في لحظة ضعف بشري يهدم به ذلك البنيان – حتى وإن كانوا واقعين فيما وقع فيه فما أسهل النصيحة للغير - . 
-       حاولي أنت أيضا القضاء على الرتابة القائمة في حياتكما منذ عهد طويل , فليس ضروريا أن يتم كل ما اعتدتما عليه كل صباح دون جديد ,    فاستشيريه في تجديد شيئ في مقتنيات البيت دون إرهاق مادي أو تجديد في مظهركِ أو عاداتكِ أو ردود أفعالكِ , وأظهري له أنه قد سبقكم برغبته في التجديد في مظهره وكم أنكم بحاجة جميعا إلى ذلك التجديد وعندها سيشعر باستجابتك أنت والأسرة لرغبته الحالية في تجديد حياته وأنكم معه في كل أحواله وسوف يؤثر هذا عليه كثيرا وسيقع في قلبه وسيحتل جزء كبيرا من تفكيره .

 

-       وأخيرا إعلمي أن زوجكِ الآن مثل سفينة عملاقة تستطيع أن تحمل على متنها المئات من الأطنان وتجوب بهم عرض البحار لتوصلهم إلى بر الأمان , ولكنها الآن مكبلة في أرض موحلة تنتظر دفعة قليلة من محبيها - الحقيقيين - حتى تتخلص من تلك القيود والأوحال , وحينها ستعود مرة أخرى تحمل لك وللأبناء كل الخير وتحمل عنك وعنهم كل الهم وسوف توصلكم جميعا الى بر الأمان ولسوف يأتي - بإذن الله - اليوم الذي يحمد لكِ فيه صنيعكِ ولن ينسى لكِ أنكِ قد وقفت بجواره في أخطر محنة مرت عليه