الزوجة والأهل والمعادلة الصعبة
30 محرم 1432
سلوى المغربي

عندما تأخذني الذكرة للوراء قليلا وأسترجع ذكرياتي حول صورة الرجل التي تشكلت في وجداني عندما كنت أرى أبي فأسترجع بمشهده صورة الرجل بكل سماته وصفاته الشخصية التي كنت أراها , صورة رجل بكل ما تحمله الكلمة من معان , وعندما أقوم بعمل مقارنة بين رجلي الأمس واليوم أجد هناك فروقا كبيرة وواضحة ليست في صالح رجل اليوم في أحيان كثيرة  .

 

وبالرغم من عدم انتشار التعليم والدرجات العلمية بالأمس كحاله اليوم إلا أن معظم الآباء كانوا على درجة عالية من الثقافة والوعي والدراية بكثير من شئون الدين والحياة ربما أكثر ممن يحملون أعلى الشهادات اليوم .

 

 فبالأمس كان الرجل ربان السفينة وحاميها من أية تيارات خارجية تهدده أو تهدد بيته وأسرته ,وكانت له الكلمة المسموعة الفاصلة وكان مهابا من أهل بيته بكل حب وود واحترام وإذا حدث خلاف أنهاه بحكمة وعقل وحزم , فكافة العلاقات والمعاملات داخل الأسرة وخارجها يمسكها  بيده في اتزان دونما جور على أي منها فيحفظ لزوجته مكانتها ويرعى حق أولاده فلايضيعهم ويأخذ الحق منهم لو تطاولوا .
ولكننا إذا نظرنا إلى معظم رجال اليوم فسنرى عجبا , فعلاقة الزوج بزوجته في معظم البيوت قد تحولت إلى صورة هشة واهية بعيدة تماما عن الصورة التي يجب أن تكون عليها .

 

 

 وتنقسم غالبا إلى ثلاثة أنواع من العلاقات :
النوع الأول الزوج المتسلط القاهر لزوجته
فنجد هنا الزوج مسيطرا على كل شيئ مستهينا بحقوق ومشاعر الجميع وأولهم زوجته ويحاول دوما إضعاف شخصيتها حتى وإن كانت قوية الشخصية والفكر والثقافة قبل الزواج منه وتجده أيضا في نفس الوقت مفرطا في حقوقها وكيانها وكرامتها ويقدمها لأهله لقمة سائغة مهانة ومن ثم للمجتمع وللأسف في أحوال ليست بالقليلة للشيطان
والنماذج كثيرة ومتنوعة من شكوى الزوجات من سوء معاملة أزواجهن لهن فتقول إحدى السيدات
" أنا سيدة أبلغ من العمر 40 عاماً متزوجة من 22 عاماً، وعندي 4 بنات على مستوى عالٍ من الأخلاق والتدين والتفوق الدراسي والرياضي  , مشكلتي في الحياة هي زوجي؛ منذ أن تزوجت وأنا في مشاكل لا تنتهي بسبب أهله الذين يحرّضونه عليّ، وهو يستمع لهم؛ مما يجعله يخلق المشاكل معي دون أن يسمع مني، مع أني حقاً لا أفعل أي شي وغالبا ما تنتهي زيارة احدهم لنا بالخصام لمدة شهر , والآن أصبح يصيح في وجهي بدون أي سبب لمجرد السؤال العادي عنهم، وبناتنا في سن الزواج، وأصبح يهينني أمامهم..

 

وتحكي أخرى قائلة "
بعد سبع سنوات ونصف ولي ولدان، فكرت بالطلاق، للعديد من المشاكل والسبب أهل زوجي الذي يسمع لأي شخص كان من عائلته ويسكت عن الحق في العديد من المواقف مع أهله، ويهينتي أمامهم، ويسمح لهم أيضا بذلك وصبرت، وأذكر نفسي أني أعمل لوجه الله معهم، والآن أعيش عنده جسدا بلا روح وأنا لا أنقص شيئا من حقوقه ولكني صرت أكرهه علما أنني أصبحت منهارة أتعالج نفسيا الآن ولا أفكر إلا بالموت .
هذه النماذج وغيرها الكثير يحدث نتيجة ضعف شخصية الزوج أمام أهله وعدم احترامه لزوجته مع استقوائه عليها وشدته معها , وخطؤه هنا يرجع لكونه لا يحسن إدارة حياته الجديدة ولا يقوم بعملية التوازن بين حقوق أهله عليه وأهميتهم في حياته وصلة أرحامه وبرهم وكسب ودهم وعطفهم ورضاهم ومن ثم رضى الله عنه , وبين حقوق زوجته المادية والمعنوية ورعايتها والحفاظ على كيانها وكرامتها

 

وينسى انه مسئول أمام الله عنها مسئولية كاملة وينسي وصية أعظم الخلق وأكرمهم صلى الله عليه وسلم بالنساء سواء كن بنات أو زوجات في خطبته الجامعة في حجة الوداع حيث قال : " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم اتخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله "
فيا أيها الزوج المتسلط : زوجتك أسيرة ضعيفة عندك ائتمنك عليها والدها وسيحاسبك ربك على سوء معاملتك لها  ففعلك هذه بعيد عن مكارم الأخلاق وحلل الإيمان فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أكمَلُ المُؤمنينَ إيمانا أحسَنُهُم خلقا ، وخيارُكُم خيارُكُم لنسائهم "

 

وليس للزوجة في هذه الحالة إلا الصبر على هذا البلاء , والاستعانة بالله أولا وأخيرا , وطرق كل السبل التي تظن أن فيها إصلاحا لوضع زوجها وهدايته , وأن لا تترك معاملته بالحسنى والتودد وتحاول دوما تذكيره بأن بمراقبة الله فيها, وأن تكثر من الدعاء المستمر لله بصلاح حال زوجها
أما إذا فشلت كل جهودها  ولم يتغير شيئ في حال زوجها فعليها بالتمسك بحبل الله المتين والاستعانة به سبحانه على حياتها التعسة , وأن تكرر في نفسها دوما  أن للصابرين جزاء بغير حساب وأنه مهما طالت الدنيا بحلوها أو مرها إلى زوال وأنها لا تساوى غمسة بسيطة في النعيم الأخروى الأبدي عند ربها سبحانه فذلك يهون عليها كثيرا ماهي فيه

 

النوع الثاني ضعيف الشخصية مع زوجته :
في حين تطرف النموذج الاول ناحية أهله على حساب زوجته , نجد هناك تطرفا معاكسا يختار أيضا الحل الاسهل أيضا له كما يراه فنجده وقد سلم قياد نفسه لزوجته وأقبل عليها وقدم لها قلبه وعقله وحياته السابقة على طبق من ذهب , واختار أن يخضع لها تماما,وينقاد لأوامرها ,ويلبي جميع رغباتها واحتياجاتها على حساب أي شيء كان , سواء كرامته ورجولته ورغبته , او على حساب والديه وإخوته والدنيا بأسرها .
وحينها ينسي أو يتناسى ما اوصاه ربه به من حق لوالديه ورحمه عليه ويضحى بسنين العمر السابقة وتربية والديه له اجل راحته وراحة زوجته .
فتحكي احدى الأمهات قائلة :أنا أم أجبرتها قسوة الحياة والمرض على العيش مع إبنها بعدما مات عنها زوجها، يفرض إبني علي أن أجلس معظم الوقت في غرفتي حتى لا أزعج أبناءه وزوجته، وأن أكل وحدي في غرفتي، وغير مسموح لي بأن أغادرها إلا ساعة واحدة يوميا أخرج فيها مع الخادمة لأي مكان أرغب فيه , أعيش بمفردي أنتظر الموت في صمت جارح، وكأني أصبحت سجينة أقضي مدة عقوبة في سجن انفرادي، وابني نفسه هو سجاني

 

وهذا أب قد بلغ من الكبر عتيا وتجاوز السبعين إلا أن أحدا من أبنائه الثلاثة لم يقبل به أن يعيش في منزله مع زوجته وأولاده، رغم أنه قد عرض عليهم أن يسكن في ملحق البيت لأنه لا يريد أن يموت بعيدا عنهم ولكنهم قرروا إيداعه دارا المسنين، ولم يستجيبوا لمطلبه لأنه أصبح مريضا فاقدا لبصره .
وهذان النوعان السابقان يرجع سلوكهما إلى الأنانية وحب الذات ولكن باتخاذ نمط سلوكي مختلف عن الأخر للتخلص من إشكالية الزوجة والأهل والمعادلة الصعبة

 


الننوع الثالث المتزن العاقل العادل :

هو ذلك النوع الذي أصبح الآن نادر الوجود وهو الذي يخشى الله سبحانه ويتقي عذابه ويكره أن يلقى ربه بظلم لأحد الطرفين ويستطيع بحكمة وعقل ووعي كامل أن يعطي كل ذي حق حقه , ويستطيع أن يفهم ويقدر حق كل طرف عليه , واختار أن يمسك عصا الحياة من المنتصف ليريح ويستريح ويوازن بين أهله الذي يرى أن لهم حق كبير عليه وواجبه تجاههم أن يرعاهم بعد زواجه ويودهم ويلبي مطالبهم ويسمع إلى نصحهم له وبين حق وكيان زوجته وشريكة عمره وأبنائه وحقوقهم عليه
ووجود هذا النموذج عودة للزمن الجميل للزوج الذي تتمناه كل زوجة للأب الذي تتمناه كل بنت
وهو العامل المؤثر لعلاقات اجتماعية قوية ومستقرة وعادلة