قد لا ينتبه الكثير من الآباء إلى المنطقة الفاصلة بين التدليل الزائد للطفل وإصابته بمرض الغرور، أو بين التعنيف الزائد وضعف الثقة بالنفس لدى الطفل.
والغرور أو ضعف الثقة بالنفس كلاهما حالتان يتوجب علينا التصدي لهما منذ السنوات الأولى في حياة الطفل.
وسنتطرق في السطور الآتية إلى واحدة من بين هاتين المشكلتين المترابطتين؛ وسأبدأ في حديثي هذه المرة عن مشكلة ضعف الثقة لدى الطفل، ولكن لنبدأ بتعريف "الثقة بالنفس":
فالثقة بالنفس هي إيمان الشخص بنفسه وقدراته وثقته بالاعتماد على نفسه، أو كما يصفها بعض خبراء التربية بأنها " موقف عقلي يتيح لنا إدراكا حقيقيا إيجابيا لأنفسنا وقدراتنا".
وبناء عليه فإن ضعف الثقة هو عدم إيمان الفرد بقدراته وإمكانياته وشعوره بنوع من النقص والعجز.
والواقع أن كثيرًا من الأطفال ينتابهم بدرجة أو بأخرى هذا النوع من الشعور بالعجز وعدم الفاعلية وهو شعور ربما يكون حقيقيًا في بعض الأحيان وربما يكون وهمًا في أحيان أخرى.
فتجد الطفل ضعيف الثقة يتهرب من المشاركة مع أقرانه في أداء أي أعمال جماعية، أو تجده يميل إلى الانطواء والخجل؛ بل ربما يبدو مستهترًا ولا يعبأ بالتوجيهات التي يصدرها له والداه أو معلموه لكونه يرى في نفسه أنه ليس لديه أية مواهب وأنه يعاني من نقص أو عجز أو ضعف ما؛ وهو السلوك الذي تطلق عليه الخبيرة التربوية كاثرين كفولز"الاجتناب".
ولكن ما هي أبرز الأسباب التي قد تؤدي بالطفل إلى هذه الحالة المؤلمة من ضعف الثقة بالنفس؟
يعود السبب في بعض الأحيان إلى ممارسات غير تربوية ترسخ لدى الطفل شعورًا بعدم الأهمية؛ كأن يقلل والداه من أهمية ما يقترحه من أفكار يشارك بها في الحوار معهم أو التعامل مع خياله الواسع باستخفاف واستهانة.
الخطأ الثاني الأكثر انتشارًا هو محاولة تشجيع الطفل عن طريق مقارنته بأصدقائه أو أقاربه ممن هم في نفس مرحلته العمرية؛ ومحاولة استفزاز حماسه بتكرار هذه الأمثلة على مسامعه؛ إن الأمر ربما يثير حماسه مرة ولكنه سيفقد تأثيره في المرة التي تليها، ثم يؤثر سلبًا في المرة اللاحقة.
أما السبب الثالث هو الإفراط سواء في الاهتمام بكل شأنه من طعام وشراب وملابس دون الاعتماد عليه ولو في القيام بمساعدات بسيطة يستطيع القيام بها ليشعر بقدراته وفاعليته، أو الإفراط في التعنيف والتوبيخ عند ارتكابه للأخطاء مهما كانت تافهة وبسيطة.
إلا أن هناك خطأ آخر مستترا قد لا يلحظه بعض الآباء بالرغم من عمق صلته , بضعف ثقة الطفل بنفسه وهو استجابتهم لشعور الطفل بعدم فاعليته أو عدم قدرته، ومثال على ذلك تكليفه بأقل مما هو مطلوب من أقرانه لافتراضهم أنه لا يستطيع القيام به.
وللأسف فإن مثل تلك التصرفات تناقض قاعدة إسلامية أساسية وهي غرس القوة في نفوس النشء المسلم، وحثهم على الالتزام قدر استطاعتهم بالتكليفات الكبرى من صلاة وصيام، وحثهم أيضًا على ممارسة الرياضة البدنية واكتساب المهارات، "فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".
والتاريخ الإسلامي زاخر بالنماذج المضيئة لنشء صغير بهر الخلفاء والملوك، فهاهو الغلام الهاشمي حديث السن الذي كان بين الوفود التي جاءت للخليفة "عمر بن عبد العزيز" لتهنئته بالخلافة ولبيان حاجتها، وقد تقدم الغلام للحديث، فقال له عمر: لينطق من هو أسنّ منك.
فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين, إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبدًا لسانًا لافظًا وقلبًا حافظًا استحق الكلام وعرف فضله من سمع خطابه, ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك من هذا منك , فقال عمر: صدقت, قل ما بدا لك.
لابد أن الغلام قد تعلم كيف يكون متحدثًا جرئيًا وقويًا غير رعديد، إنه نموذج المسلم الصغير الذي يتطلع إليه الإسلام ويرضى عنه الله ورسوله.
فكيف للآباء أن يرعوا تلك النبتة النقية التي بين أيديهم وكيف يغرسون فيها معاني الثقة بالله لمنحهم الثقة بأنفسهم؟
أولاً: الاستماع لأفكار الطفل وخيالاته دون الاستخفاف بها أو التقليل من شأنها مهما بدت ساذجة ومضحكة، بل إظهار الاهتمام بما يقول والتعليق عليه بمناقشة بسيطة يتعلم منها من خلال إيضاحاتك وتفسيراتك ما يجهله.
ثانيًا: ينبغي على الوالدين عدم اللجوء إلى المقارنات التي تؤلم الطفل نفسيًا وتزعزع ثقته في قدراته.
ثالثًا: تجنب الإفراط في الشدة أو اللين، وتجنب الاهتمام الزائد الذي يُفقد الطفل ثقته في إمكانياته وفاعليته.
رابعًا: إذا قال لك طفلك أنه لا يستطيع القيام بشيء ما؛ وكنت تعلم أنه يستطيع، لتكن إجابتك له "قم بذلك قدر استطاعتك".
خامسًا: ينبغي أن يحاول الوالدين تقسيم ما هو مطلوب من طفلهم إلى مراحل تبدأ بالأبسط ثم تتدرج في صعوبتها، ليشعر أنه يتمتع بقدرات ومواهب وأنه قادر على إثبات فاعليته أمام والديه ومعلميه وأقرانه، مما ينمي عنده شعور الثقة بالنفس.