الابن الأوسط .. مشكلة لها حل
13 ربيع الأول 1432
معتز شاهين

هي مشكلة تعاني منها الكثير من العائلات اليوم، يمكن لنا أن نلخصها في كلمتين ( الابن الأوسط )، ويشكو الكثير من الآباء والأمهات من سلوكيات وليدهم الأوسط رغم أنهم هم السبب في حدوث تلك المشكلات السلوكية وتفاقمها، وإلا لما ظهرت تلك المشكلات في ابنهم الأوسط دون باقي الأبناء؟ فالابن الأوسط يدفع ثمن أخطاء تربوية كثيرة يقع فيها الوالدين في حقه ؛ فتظهر في تصرفاته مع المحيطين به، وعلاقاته بأخوته بالتحديد.
والابن الأوسط هو ذلك الطفل الموجود في أسرة مكونة من ثلاثة أبناء على الأقل ؛ بحيث يكون الفرق الزمني بينه وبين من يسبقه أو من يليه أقل من ست سنوات.

 

والابن الأوسط مشتت، يشعر بأنه لا محل له من الإعراب، فهو يأتي بين أبن أكبر ( بكري ) يأخذ زمام المبادرة وحرية اتخاذ القرار فهو الكبير، وأخ أو أخت صغرى تنال ( الدلع )، بينما يقف هو متنازع التفكير بينهما، لا دور له محدد داخل الأسرة، فهو يرى نفسه ( ضحية )، حيث يتم توجيه الملاحظات إليه دائمًا، وتنتقد تصرفاته باستمرار، ويعتمد عليه لإنجاز مهام وواجبات أكثر من إخوته، أو يتم تجاهله بشكل عفوي من الأهل، مما قد يؤدي به إلى الإحساس بعدم انتمائه للأسرة.
كل تلك الأسباب تجعل الابن الأوسط يميل أما إلى العنف الزائد ( العدوانية ) والغيرة، أو المثالية الزائدة في تصرفاته، وذلك نتاج طبيعي لحيرة ذلك الطفل الصغير لتفسير تصرفات والديه نحوه ونحو أخوته، ومحاولة منه لإثبات ذاته داخل الأسرة وإيجاد مكان ودور فعال بداخلها.

 

•    لماذا الابن الأوسط ؟
قلنا من قبل أن سلوكيات الوالدين تجاه الابن الأوسط هي التي تدفع لظهور تلك المشكلات السلوكية ..
- فقد يحرص الوالدان على أن يشعرا الابن الأكبر بأن مكانته لديهما مازالت كما هي لم تتغير بمجيء الطفل الثاني، فيؤدي ذلك لظلم الابن الأوسط، وهما بذلك يحاولا الهروب من فخ غيرة الابن الأكبر، ليقعا في فخ أخر وهو غيرة الابن الأوسط.
- قد يحاول الوالدان استدراك الأخطاء التربوية التي وقعت معهما أثناء تربية الابن الأكبر في تربيتهم للذي يليه، فيقسون عليه .
- عدم تلبية حاجات الابن الأوسط، فهو سيأخذ ما تبقى من أخيه، من ملابس ولعب وخلافه، فهو في الغالب لا يُشترى له شيء جديد، بل دائماً يكون من نصيبه (فضلة) أخيه الأكبر. مما يبقي لديه الكثير من الاحتياجات غير المشبعة، فيعبر عن ذلك بأسلوبه وطريقته، من عنف تجاه أخوته، وصراخ وبكاء، وفي بعض الأحيان بالتبول اللاإرادي.
- عندما يشعر الابن الأكبر ( البكري ) بفقدان مكانته لدى والديه، فأنه يعمد إلى العنف تجاه أخيه الأصغر، مما يؤثر بشكل سلبي على سلوكيات الابن الأوسط، ويجعله عنيفًا تجاه الأكبر منه .
- أو عند قدوم الابن الأصغر ( أخر العنقود )، يشعر الابن الأوسط ساعتها بأنه فعلا لا قيمة له، مما يجعله منطويًا حول نفسه، أو عنيفًا تجاه أخيه أو أخته الصغرى أيضًا.
- قد يخشى بعض الآباء من التفرقة بين الأولاد من ناحية الجنس – كعادة مجتمعاتنا في تفضيل الذكر عن الأنثى -، فيحابي لأبنته عن أبنه، وقد يكون هذا الابن هو أبن أوسط، فتتفاقم المشكلة معه أكثر وأكثر.

 

•    العدل بداية الحل :
- يتضح مما سبق أن العدل بين الأولاد هو العلاج الفعال لتلك المشكلة، وهذا ما نبهنا وشدد عليه رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم -، حين أمرنا بالعدل بين أولادنا فعن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – أنه قال ( تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحه : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفعلت بولدك هذا كلهم ؟ ) قال : لا، قال ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) . فرجع أبي تلك الصدقة )، بل جعله الرسول – صلى الله عليه وسلم - سببًا لبر الأبناء بآبائهم في حديث أخر فقال – صلى الله عليه وسلم- ( اتقوا الله،  واعدلوا بين أولادكم؛ كما تحبون أن يبروكم ).
بل وصل الأمر به – صلى الله عليه وسلم – في التشديد على أمر المساواة بين الأبناء حتى في القبلة، فعن أنس رضي الله عنه أن قال : ( كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه ثم جاءت بنت له فأجلسها إلى جنبه قال : فهلا عدلت بينهما ).
وهذا ما نادى به علماء التربية الآن أيضًا، تقول الدكتورة " نادية قاسم" - أستاذ علم النفس- ( يجب الاعتدال في معاملة الولد الأوسط سواء صبياً أو فتاة دون مبالغة الاهتمام به ولا التجاهل المطلق له، كما أن المساواة بين الإخوة والتغلب على إظهار العاطفة تجاه ولد معين دون الآخر يساعدان على حل مشاكل الابن الأوسط .. ).

 


كما أن هناك بعض الأمور المعينة للوالدين لتجنب مشكلات الابن الأوسط :

- على الوالدين التعامل مع كل طفل من أبنائهما، وفق مطالب مرحلته السنية بغض النظر عن ترتيبه في الأسرة، وهذا يتطلب وعيا تربويا وقراءة خصائص كل مرحلة سنية، وكيفية التعامل معها بشكل تربوي.
- محاولة إيجاد نوع من أنواع التوازن بين الابن الأوسط وأخوته الكبير والصغير من حيث المعاملة، فلا نبالغ في التعامل مع الابن الأوسط على أنه صغير بالمقارنة بأخيه أو أخته  الكبرى، ولكن نحاول تنمية دافع الاستقلال لديه، ولا نسفه من أفعاله وأرائه وأقواله. وكذلك عدم المبالغة في التعامل معه على أنه كبر بالمقارنة بأخيه أو أخته الصغرى، فهو طفل وما زال في حاجة للمداعبة واللعب والمرح معك. 
- يجب إكساب الابن الأوسط حافز إيجابي تجاه نفسه، وذلك بالثناء عليه بعبارات المديح التي تصف سلوكياته الايجابية، وكذلك الحال مع باقي الأبناء.
- محاولات العلاج المبكر لحالات الغيرة الناشئة بين الأخوات ( سواء غيرة الابن الكبير من الابن الأوسط، أو غيرة الأوسط من الأصغر ).
- الحرص على أن إشباع احتياجات الابن الأوسط، وإظهار الاهتمام به.
- على الوالدين توفير قدر من الخصوصية لكل طفل من أطفالك، سواء في الأمور المادية ( كشراء احتياجاتهم وتخصيص وقت لكل منهم )، أو في الأمور المعنوية ( من الحب والرعاية والحنان ).
- عدم المقارنة بين الأخوة وبعضهم البعض، لما يولده ذلك من مشاعر ضغينة وحقد.
- على الوالدين التوجه إلى لله – سبحانه وتعالى - بالدعاء، بأن يوفق بين قلوب أبنائهما، وأن يوفقهما للعدل بينهما بالقسط، وأن يصلح ذات بين الأسرة كلها.

 

ختامًا أن التفرقة هي استثارة لمشاعر الحقد والغيرة بين الأخوة، فالطفل أيًّا كان ترتيبه بداخل الأسرة، لا يعتبر مشكلة إلا إذا تعاملنا معه على هذا الأساس، لذا فالتعامل الطبيعي العادل هو الحل الجذري لكل تلك المشاكل، ولا ننسى قوله تعالى : " آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا " -  النساء:11