الحرية !!
4 شعبان 1432
محمد بن مشعل العتيبي

صحراء موحشة ، ومفاوز مقفرة ، وأشواك متناثرة ، أمواج من السوافي تجتاح قلبه ، مؤذنة بمأساة جديدة  ، ومعركة أخرى خاسرة ، مع نفسه ، وهواه !
في كل عاصفة تجتاح قلبه ، يحاول الظهور أمام الملأ بمظهر المتربع على عرش اليقين والعزة ، بينما هو يقبع في سرادق العزاء ، عزاء فقد العزة والانهزامية أمام أهوائه  ، وأمام ما بهره وراق له من مناهج منحرفة !

 

 كل يوم يخطو خطوة نحو اللاشيء ، بل نحو السراب ، ولاثمة أمل يلوح له في الأفق !
ذلكم هو شيء من صراعه الداخلي الذي يحاول عبثا إخفاءه ، والظهور بمظهر الإصلاحي العظيم الباحث عن الحرية .
" حرية " كلمة ساحرة ، أصبحت تطربه ، يرددها صباح مساء ، يشربها عند ظمئه ، ويأكلها عند جوعه ، ويستطب بها عند مرضه ، سلبت لبه ، تسكره حد الثمالة .
مالسر ياترى فيك أيتها الحرية ؟!

 

قد يقولون لي: شوقي يقول :
وللحرية الحمراء باب  ** بكل يد مضرجة يدق
إنها الحرية التي نبحث عنها ، لنتخلص من آصار الاستبداد وأغلاله ، ألا تعرفها ؟!
جميل ، وحسن هذا المعنى ، ولكني ألحظ شيئا آخر غيره ، حاولت جاهدا ، أن أتلمس منهجا مطردا له ، لم أجد للأسف ، إنما له في كل يوم صولة ، ومع كل حدث رأي .
عفوا.. وجدت له منهجا مطردا : العبث بكل ماهو سلفي من أجلها.

 

نعم ، فمن أجلها غير مبدأ ، وعطل نصا ، وأول آخر ، قدح في عالم ، وازدرى قولا معتبرا ، لا لشيء إنما من أجل الحرية ، وكأنها لا تجتمع مع المنهج الحق ، وكأن الشارع لم يكفلها في محجته البيضاء النقية.
من أجلها قد أتى بما لم يأت به الأوائل ، زاعما أنه يقدم منهجا جديدا مخلصا للأمة من أغلالها ، وفاتحا لها آفاق جديدة من الرقي والتطور والتسامح ، فلا حدود ، ولا ولاء ولابراء ، ولا إنكار ، ولاعقوبات لمبتدع ، كل ذلك من أجل الحرية.
من أجلها والى نصرانيا والتمس له ألف عذر ، وانتقد مسلما سنيا والتمس لنفسه ألف عذر كي ينتقده ويسقطه ، وهيهات.

 

من أجلها سفه من أهل التوحيد ودعوتهم ، وزعم أنهم درجة متأخرة عما يسعى له من الحرية.
حتى التوحيد لم يسلم من حريتهم ؟!
" حرية " كلمة ساحرة جميلة كجمال فتاة في ربيع عمرها ، ولكنهم بلوثاتهم قد حولوها إلى عجوز شمطاء بقرني شيطان !
تأملت كثيرا في واقعهم ، فوجدت أنهم في عبودية مغلفة ببهرج الصراخ عن الحرية ، ولكنها عبودية من نوع آخر .

نحن لا نريد حريتكم ، نحن نريد حرية   "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " .
ولكن متى يفقهون ؟!