"أحلام" ..."رائدة" ..."وغفران"
21 ذو القعدة 1432
إيمان يس

مع غروب شمس 11 أكتوبر 2011 نسجت الشبكة العنكبوتية خيوطا تلألأ بريقها ليضيء من شمس غزة فجرا للحرية، فهذه همسات التويتر تداعب "أحلام" الآلاف بالحديث عن صفقة لتبادل الأسرى، وتلك صيحات الفيسبوك تؤكد أنها صفقة "رائدة" فريدة من نوعها، وتلاحقهما أياد مرتفعة تطلب "الغفران" من الله وتسأله أن تكتحل عينا كل محب بمن أحب.

 

ومن بين تلك الأيدي رسمت أمام عيناي صورة شجرة شامخة، راسخة جذورها بثبات "أحلام التميمي"، وارفة ظلالها بوفاء روته "رائدة مشتهى" من ريعان شبابها، ثم أينعت وتفتحت زهرتها "غفران زامل" لتبث فيها روحا جيدة تتدفق من نهر اليقين.

 

فأحلام التميمي هي أول عميدة للأسيرات وأول متحدثة باسمهن وأول فتاة ترتقي أحلامها للانضمام لكتائب الشهيد عز الدين القسام وقد كان لها ذلك، وأول صحفية تستغل مهنتها في خدمة الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، حيث استطاعت من خلال عملها أن تتجول في أحياء القدس بسهولة ويسر وتنقل الأخبار لقيادتها لاختيار الأماكن المناسبة لتنفيذ عملياتهم، فكانت بذلك أول من شاركت في التحضير لعملية استشهادية قام فيها الشهيد عز الدين المصري بتفجير مطعم في القدس مما أدى لمقتل 19 مغتصبا صهيونيا وجرح ما يزيد عن المائة،  وأول امرأة تصدر في حقها أحكام بمؤبدات ـ 16 مؤبدا ـ وهو أعلى حكم صدر بحق امرأة، وأول من توعدها السجان بأن تموت وتتعفن داخل زنزانتها فكانت تجيبه بكل شموخ "فشرت ..أنا وراي رجال"، وأول من قضت في سجون الاحتلال 10 أعوام ـ وستكون الأخيرة بإذن الله ، وأول أسيرة يعقد قرانها على أسير هو ابن عمها المحكوم بمؤبد أيضا وشريكها في صفقة التبادل بفضل الله ، لكنها أيضا أول اسم على قائمة الوفاء للأحرار، فقد كان الشرط الأول للفصائل الآسرة خروج جميع الأسيرات قبل الحديث عن أية أرقام، وكان اسمها يتصدر قائمة الحرائر، وأول اسم تبادر للأذهان عند سماع خبر إتمام الصفقة، والسؤال عن خروج زوجها معها كان أول ما كتبته أنامل المتابعين وتلفظت به ألسنة المراقبين عندما علموا بإدراج اسمها في الصفقة، كما أنها أول اسم على محرك البحث جوجل عند كتابة كلمة "الأسير" حتى بصيغتها المذكرة وقبل إضافة تاء التأنيث!!.

 

تقول عنها الأسيرة المحررة يقين سامر كنت أحلم أن ألتقي ب"أحلام" وعندما اعتقلت في عام 2004 حدثتني نفسي كيف سيكون لقائي بهذا الجبل الشامخ إلى أن تم اللقاء بالفعل عملاقة في بساطتها ورقتها، وتتذكرها الأسيرة المحررة سمر صبيح قائلة :سمعنا بأخبار عملية الوهم المتبدد أثناء اعتقالي وكانت أحلام التميمي إلى جواري فأمتنا لصلاة ركعتين شكرا لله وبشرتنا بقرب خروجنا جميعا حتى أننا أعددنا الحقائب وتهيأنا نفسيا لنستنشق سويا نسائم الحرية، هذه هي أحلام التي حلمت بالحرية لوطنها فدفعت لذلك ثمنا من حريتها، وهاهي تعانق أحلامها من جديد بعملية بددت وهم المحتل

 

وإن كانت أحلام أنارت ظلمة السجن بإرادتها فإن رائدة الوفاء نسجت من أيامها فجرا ينير الدرب لكل زوجة أسير أو مجاهد، هي رائدة مشتهى زوجة الأسير القائد روحي مشتهى المحكوم 4 مؤبدات وعشرين عاما قضى منها 23 سنة، تزوجته وهي في عمر الزهور ولم تقض معه سوى 6 أشهر كان خلالها مطاردا فلم تره فيها إلا للحظات أو لنقل لسويعات، سمعتها وهي تتحدث عن زوجها بنبرات فخر تقهر أنين الوحشة، فسألتها: لماذا تنتظرين المجهول ؟فأجابت دون تفكير "روحي يستاهل" ، الأوقات القليلة التي قضيناها سويا هي بسنوات عمري كلها فلم أجد منه فيها إلا ما يرضي الله " فأعدت صياغة سؤالي: أنت لم ترزقي بعد بأطفال ألا تفكرين في ....فسارعت لتقطع طريق خواطري قائلة: أعظم وأصعب موقف كان بيني وبين زوجي في أول زيارة لي له بعد اعتقاله بأربعة أشهر في سجن غزة المركزي، حيث عرض علي الأمر، كان الموقف صعبا جدا ولكن ردة فعلي وثباتي كان له دور كبير في رفع معنويات زوجي حيث كانت الكلمات تخرج منه وهو يعتصر ألما على قولها  وبنفس الوقت لا يريد أن يظلمني، فكلا الأمرين صعب، قال لي لا أدري كم سيحكمونني ولكني أعلم أنه سيكون كثيرا، فقلت له لا تكمل سأنتظرك حتى لو حكموك مدى الحياة وإن لم نلتق في الدنيا سنلتقي في الجنان، فوجد مني الرد الذي نزل عليه أمنا وأمانا  وسعادة واطمئنانا وكنت صادقة معه وسأنتظره حتى آخر لحظة في حياتي بإذن الله.

 

و بابتسامة تكسر قضبان السجن لتهمس في أذني أبي جمال قالت:" رَوْحِي هو زوحِي اتصلت أرواحنا بحبل الله، تعاهدنا على قراءة الأذكار والمأثورات سويا في نفس الوقت كل يوم قبل غروب الشمس وقد سجلها بصوته الذي أستأنس دوما بسماعه وأردد معه
و بعينان بريقهما اليقين  تابعت حديثها قائلة :أكرمني الله قبل اعتقال زوجي برؤيا رأيت فيها الخير الوفير حيث رأيت عائشة رضي الله عنها في غرفتي وقد أقبلت علي وقبلتني وأسرت لي وقالت أوصيك بالصبر وكررتها ثلاث مرات هذه الرؤيا كانت تسلية من الله لي بما سيحدث من ابتلاء لي ولزوجي

 

وبأنفاس واثقة مطمئنة تضيف، إن عادت بي الأيام فلن أختار إلا روحي ولن أرضى بغير هذا الطريق فهي طريق الله عز وجل المؤدية لجنان الرحمن ومجاورة النبي العدنان
وتدور بمقلتيها لتلتقط من جعبة الذاكرة سلواها وتقول، روحي هو قدري وأنا قدره، فالله عز وجل قد كتب أن نكون لبعضنا البعض، وكلما يجول بخاطري هذه الموقف أقول سبحان الله كيف قدر أن يجمعني بزوجي الغالي ، فقبل زواجي من أبو جمال كنت مخطوبة لابن عمي واستمرت خطبتنا ثلاث سنوات وكذلك أبو جمال كان خاطبا ابنة خالته واستمرت خطبته لها ثلاث سنوات ولم يقدر الله إن يتم زواجي من ابن عمي ولا زواجه من ابنة خالته!! وتم الانفصال ونزلت من عمان لغزة ليقدر الله أن تتم خطبتي وزواجي من روحي، سبحان الله توافق حتى في الأحداث التي حدثت لكلينا.

 

ومن يسأل "مشتهى" عما تشتهي نفسها تقول أتمنى أن يخرج روحي لننال الشهادة سويا !! فعشقها للشهادة دفعها في إحدى ليالي السابع عشر من رمضان إلى أن تعد للمعتكفين بمسجد الحي بعض الحلوى وتسأل الله أن يُطِعم كل من أكل منها شهادة في سبيله، وبعد فترة ليست وجيزة أغارت طائرات العدو على إحدى معسكرات التدريب التابعة لكتائب القسام في ذات الحي فارتقى على أثرها 17 شهيدا جلهم ممن أكلوا من حلوى أم جمال

 

ومن صمود "أحلام" وعلى درب "رائدة" أرادت "غفران زامل" الصحفية الشابة أن تجمع بين الحسنيين لتحقق أحلام الصمود ووفاء الرائدات، فسخرت قلمها لخدمة وطنها وخاضت معركة الأسر في سجون المحتل تارة وفي معتقلات سلطة عباس مرات ومرات،وتابعت عن كثب قضية الأسير القائد حسن سلامة الذي يقضي حكما بالسجن المؤبد 48 مرة !! وتخللت المتابعة بعض المراسلات حتى تم عقد قرانهما الذي باركته الحركة الأسيرة واحتفلت به الأسيرات في معتقلاتهن.
وعلى الرغم أن قائمة شاليط لم تشمل القائد حسن سلامة ، إلا أن يقين "غفران" بأن الفجر سيسطع قريبا على "أحلامها الرائدة".