26 محرم 1433

السؤال

أنا شاب متزوج من أقل من سنة وأحمد الله الذي وفقني بالزواج من امرأة نحسبها على دين وصلاح، ولكن الكمال لله سبحانه وتعالى، وأنا غير معترض على ما قدر الله، ولكنني أحببت أن أستشير فحسب، زوجتي غيور، حساسة، كثيرة الزعل، محبة لدرجة الاستيلاء، ولا تعين زوجها على العمل الدعوي إلا قليلاً؛ لأنها تريده لها فحسب، كما أنها تسمع كلام أمها في اختيار كل شيء غالٍ من أثاث وغيره من أشياء؛ بحجة أنه هو الذي يدوم لسنوات، وكذلك متذبذبة بين حبها لي وتضحيتها وبين تأثير أمها عليها. فماذا أفعل معها؟

أجاب عنها:
خالد عبداللطيف

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وشكر الله لك - أخي الفاضل - ثقتك في موقع المسلم، وبارك الله لك في زوجك وبيتك، وجعلكما للمتقين إماما.
مشكلتك - رعاك المولى - تتمثل في هذه الصفات التي ذكرتها في زوجتك؛ أنها: شديدة الحساسية، كثيرة الغضب (الزعل)، محبة لدرجة الاستيلاء، لا تعينك على العمل الدعوي إلا قليلاً، تطيع أمها في اختيار كل شيء غالٍ.. إلخ.
بداية.. اسمح لي أن أهنئك – أخي - على ما أنعم الله به عليك؛ فقد ظفرت بذات الدين، كما تصفها بنفسك، وحزت بذلك خير متاع الدنيا بإذن الله تعالى، فاحمد الله على هذه النعمة الغالية.
أخي الفاضل:
لا تستغرب إذا قلت لك إن أساس الحل وركيزته تنبع من داخلك أنت، من قناعاتك وتصوراتك، من سعة صدرك ورباطة جأشك، من فهمك للنفسيات، وخصوصا نفسية المرأة (الزوجة)، وكذلك الفروق العقلية والنفسية بين الرجل والمرأة عموما.. وبينك وبين زوجتك خصوصا؛ فأنت أدرى الناس بها بعد مرور قرابة عام كامل من الزواج المبارك. ودعنا نبدأ بالتأمل في هذه الصفات المذكورة؛ فمن من النساء – إلا الندرة – لا تتصف بهذه الصفات الغالبة؟!
بل إن أطهر نساء الأرض من أمهات المؤمنين والصحابيات – رضوان الله عليهن – كان يقع منهن من ذلك ما جاء في صحيح السنة والسيرة:
فمن ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان عند بعض نسائه، قال: إذ أرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت الأخرى يديها فكسرت القصعة، فأخذ رسول الله القصعة فضمها معا، فجعل يعيد فيها الطعام، ويقول: "غارت أمكم، غارت أمكم، كلوا". وجلس الرسول حتى جاءت الأخرى بقصعتها، فلما أكلوا دفع إليها الصحفة الصحيحة ورد المكسورة إلى الأخرى التي كسرت القصعة.
وفي "أخبار النساء" لابن الجوزي، عن الشعبي أن عبد الله بن رواحة أصاب جارية له، فسمعت به امرأته، فأخذت شفرة فأتته حين قام وقالت له: أفعلتها يا ابن رواحة؟ فقال: ما فعلت شيئاً. فقالت: لتقرأن قرآنا، وإلا بعجتك بها. قال: ففكرت في قراءة القرآن وأنا جنب فهبت ذلك، وهي امرأة غيراء في يدها شفرة لا آمن أن تأتي بما قالت. فقلت (أي شعرا):
وفينا رسول الله يتلو كتابه *** إذا انشقّ معروفٌ من الصّبح ساطع
أرانا الهدى، بعد العمى، فقلوبنا *** به موقناتٌ أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
قال: فألقت السكين من يدها، وقالت: آمنت بالله، وكذّبت البصر.
قال: فأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك، فضحك وأعجبه ما صنعت.
إلى غير ذلك الكثير من القصص والشواهد التي تدلك - أخي المبارك – على أن الغيرة صفة جبلت عليها المرأة، وخير ما يداويها ويسكنها – بإذن الله - حلم الرجل وحسن خلقه اللذين لا يتأتيان إلا بفهم نفسية المرأة وطبيعتها، والرفق بها في هذه الخصلة.
نعم.. توصى النساء بعدم المغالاة في هذا الشأن، والاسترسال مع الغيرة إلى الحد الذي تتكدر معه الحياة وتتنغّص، ولكن النصيب الأكبر من الدواء هو في استيعاب الرجل، ورفقه بزوجه، وتقديره ما جبلت عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة في ذلك، فتأمل مليا في خلقه وكيف صنع بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم؟!
وأما الحساسية الشديدة - كما تبدو لك – فليست كذلك بدعا من المشكلات، والشأن فيها أن تتوقع وتتريث ثم تحسن التصرف، فعلمك المسبق بحساسيتها وتوقعك لها يجعلك مستعدا متأهبا، لا تقابل ذلك بتوتر يزيد الطين بلة، بل بحكمة قد تكمن أحيانا في ابتسامة وترضية، وقد تكمن أحيانا أخرى في مواساة وتعزية، بحسب حالتها.
وهنا أشير إلى خطأ أسري يقع فيه كثير من الأزواج حين يتصورون نمطا واحدا محددا هو الحل للمشكلة؛ فيتصور أحدهم أن الحساسية لا تقابل إلا بابتسامة وهدوء شديد حتى تهدأ العاصفة وتمر بسلام!
ولهؤلاء الأفاضل يقال: وهل يصلح هذا الحل الوحيد الفريد (في تصوركم) – مثلا – لحالة حساسية ناجمة عن تأثر الزوجة من موقف محزن؟! أو هل تناسب الابتسامة حالة قهر أو غيظ يعتمل في نفس شريكة الحياة؟! فما هكذا تورد الإبل!
ولكن الحكمة (التي تعني وضع الأشياء في مواضعها) تقتضي من كل من الزوجين أن يقابل كل حالة بما يناسبها، من الأفراح والأتراح، عموما، وأحوال الحساسية بصفة خاصة؛ فكن أخي على وعي وحكمة في ذلك؛ تكسب قلب زوجتك وتخفف من حدة حساسيتها بإذن الله.
وأمر آخر متعلق بالمسألة نفسها، لكنك لم تفصح عنه في رسالتك، وهو أمر الإنجاب، فإن كان لم يُقدر لكما بعد، فأحسب أن هذا قد يكون من أسباب توتر الزوجة وشدة حساسيتها، ولعلك – إن صحّ ذلك – تحرص على تطمينها بأن ذلك أمر شائع، والمدة التي مضت طبيعية مألوفة، وأنك لست قلقا مطلقا بهذا الشأن، ونحو ذلك من الأقوال والمشاعر الطيبة.
وأما ما يتعلق بأمّها وسماعها لرأيها في المشتريات والأثاث؛ فأرجو ألا بأس ولا ضير، بل هذا من المألوف المعروف بين الزوجات وأمهاتهن، ما لم يكن في الأمر إسراف كبير يتجاوز حدود طاقتك واستطاعتك، وحتى لو بدر ما قد يشق عليك فابتدره بالحسنى وطيب القول والمناقشة الهادئة اللطيفة.
وأسمح لي أن أهمس في أذنك أخي وأقول:
حسبُك من أمها أنها ربّت وأهدت إليك فتاة صالحة، هي فلذة كبدها؛ فلا تبخل عليها بإقبال ابنتها عليها وسماعها منها، واحتسب ذلك واصبر عليه؛ فإن في قلوب الأمهات غيرة على أولادهن وبناتهن بعد زواجهن، فكن محسنا يصلح الله لك شأنك كله {هَلْ جَزَاء الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ}؟.
أما السلاح الدائم الفعال الذي يعينك على استيعاب هذه الصفات كلها، وغيرها مما لم تذكر، وحسن التعامل معها بما يناسبها، فهو فن "التغافل"، الذي عدّ بعض السلف تسعة أعشار حسن الخلق فيه! وذلك بالتغاضي عن الزلات، وتفادي تضخيم الهفوات، والتفريق بين ما يستحق التوقف والتوتر وما لا يستحق؛ فما دامت زوجتك – وأحسبها كذلك – لا تطلب ما يجرحُ الدين، أو تكلفك ما لا تطيق، فكن نعم الزوج الكريم المحسن؛ فإنها أسيرة عندك، وهبت لك أغلى ما تملك، فماذا تجزيها؟!
ولا تنس أخي أن تتزود معها في جلسة إيمانية بين الفينة والفينة من الرقائق والمواعظ الحسنة؛ ففي هذا دواء لحب لاستيلاء الذي ذكرته، وتصورت معه أنها لا تعينك على العمل الدعوي. والحقيقة أن صلاحها وتدينها هو من أفضل العون لك؛ لأنها لو لم تكن كذلك لاحتاجت إلى جهودك الدعوية كلها أو جلها؛ لأنها أولى بذلك من البعيد!
وأضف إلى ذلك تذكيرها بفضل الدعوة إلى الله وأثرها وفضلها، وأعنها على الإسهام فيها؛ فهذا من أفضل ما يجمع قلبيكما معا على هذه العبادة العظيمة.
أسأل الله جل وعلا أن يؤلف بين قلبيكما على ما فيه الخير والصلاح دنيا وأخرى، ويجعلكما من أبرّ الناس بوالديكم، وأن يمنّ عليكما بذرية صالحة مباركة.