أنت هنا

27 ذو القعدة 1432
المسلم- خاص

اعتبر فضيلة الشيخ ناصر بن سليمان العمر أن انتصار الشعب الليبي على الزعيم السابق معمر القذافي هو بشرى للمؤمنين بانقطاع دابر الظالمين، وهو عبرة وعظة لكل ظالم باق. ودعا الليبيين إلى المحافظة على النصر بالتواضع وإرجاع الفضل لله، والحذر من الأعداء. كما دعاهم إلى تطبيق شرع الله والتمسك بوحدتهم واتفاق كلمتهم، وحثهم على العفو وإسقاط الدماء عن عموم الناس. وخلال درسه الأسبوعي بمسجد خالد بن الوليد بالعاصمة السعودية الرياض، هنأ د. العمر المشرف العام على موقع "المسلم" الشعب الليبي على انتصاره العظيم بقتل الطاغية القذافي قائلا إنه حدث استبشر به المؤمنون. وتلا فضيلته قول الله تعالى: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء)، وكذلك قوله جل وعلا: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ). وأضاف أن "من حكمة الله جل وعلا أن أقر عيون المؤمنين وأثلج صدورهم بقتله". وهنأ فضيلته كذلك "المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها" قائلا إن الله قد استجاب دعوتكم، "فكم من النساء والرجال تضرعوا إلى الله أن يقضي على هذا الطاغية. ثمانية أشهر، حتى كاد اليأس يدخل إلى البعض.. فيأتي النصر بين لحظات".

 

وشدد د. العمر على أن القذافي اختلف كثيرا عن من سبقه في مصر تونس، "لأن هذا الرجل هو أطولهم حكما. قرابة 42 عاما سام المؤمنين من الشعب الليبي سوء العذاب، وقضى على مقومات كثيرة وجفف المنابع، وله أساليبه الذي تعرفون.. فطغى وتجبر. حتى تعامله مع الأحداث كان تعاملا منفردا يختلف عمن سبق، ومع أنني لا أبرئ من سبق إلا أنه يختلف عنهم". واعتبر فضيلته أن هذا الانتصارا له دلالات؛ فهو أولا حدث بفضل الله جل وعلا (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ). ثم أيضا إنهم ضربوا مثلا بالصبر والجهاد الطويل قرابة 8 أو 9 أشهر من الجهاد والصبر والمثابرة". واعتبر أن هذا الثمن الغالي الذي قدمه إخواننا في ليبيا هو ثمن الانتصار العظيم وأن الانتصارات العظيمة لا بد لها من ثمن: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)". وتابع: "من قاتل في إعلاء حكلمة الله ورفع الظلم ومات مؤمنا تلزمه الشهادة".

 

وأكد على أن "الأشياء الثمينة تحتاج إلى قيمة ثمينة. وهذا الثمن -وإن كان غاليا في ذاته- فإنه المجمل أدى إلى نتيجة وإلى نصر كان غاليا أيضا". واعتبر أن مقتل القذافي "عبرة وعظة لكل ظالم باق. فليعتبروا.. وإن كانوا لم يعتبروا بما حدث في تونس ومصر فليعتبروا بما حدث للقذافي". وفي إشارة إلى الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي قال د. العمر: "فالذي هرب خلال أيام.. سلم بجسمه والله أعلم بما يقسم له". وفي إشارة إلى الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، قال فضيلته: "والآخر طاول وطغى وأقسم الأيمان أنه لن يخرج من بلده فقبض عليه. وهنا نتذكر قول الله تعالى: (أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ). فحق به ما ترون من محاكمات وذل هو وعائلته". وتابع متحدثا عن القذافي: "والثالث هذا الظالم الباغي وحدث له ما تعلمون من قتله وتشريد أسرته وقتله شر قتلة". وعلق على الأنباء بأنه قبيل قتله على يد الثورا هرب من قصف سيارته إلى داخل أنبوب صرف "التي هي مأوى الجرذان"، قائلا إن "هذه حكمة بالغة؛ فقد وصف شعبه في أول أيام الثورة بأنهم جرذان، فإذا هو يقبض عليه في مكان الجرذان، هذه عبرة".

 

ودعا د. العمر الشعب الليبي وقادة الثورة إلى المحافظة على النصر الذي تحقق، وقال إن "المحافظة على النصر واجب ولا يكون هذا إلا بالتواضع، فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا مطأطأ رأسه تواضعا لله جل وعلا". وشدد على ضرورة أن يرجعوا الفضل في ذلك النصر لله جل وعلا، معقبا: "سمعنا بعض المفكرين في ليبيا لا يذكرون الله تعالى ولا يعيدون الفضل له بل ينسبونه لأسباب مادية وللغرب، وإن كانت هذه أسباب من أسباب النصر (إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ) إلا أنها تأتي بعد فضل الله". شدد على ضرورة أن يحرض الليبيين في هذه المرحلة على الوحدة وتجميع الصف، قائلا: "نقول إخواننا، الله الله في صبركم الطويل، خاصة أنه بعد 8 أشهر لم يحدث بينهم أي خلاف يعتبر، فبالجملة كانت كلمتهم واحدة.. ولذلك نذكر بأهمية الحرص على الوحدة واتفاق الكلمة التي هي مطلب شرعي، ونوصيهم في هذا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: (بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا)".

 

ونبه فضيلته الليبيين إلى ضرورة الحذر من الأعداء "لأن التجارب القديمة والحديثة تشير إلى أن الأعداء يستغلون هذه الفرص"، منوها إلى أن "أخطر شيء هو الدين وإقصاء الشريعة عن حكم ليبيا، فهذا هو ما نخشاه باختطاف النصر وإبعاد المجاهدين الحقيقيين. وقد رأى الناس أن الانتصار جاء على الأيدي المتوضئة المصلية وهي كان لها الباع الطويل في تحرير ليبيا، حتى هناك رموز معروفة بالجهاد في سبيل الله كانت تقود هذا العمل".

 

واعتبر أن مكافأة قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) على مساعدتهم للثوار يجب ألا تكون من خلال التخلي عن الشريعة الإسلامية، قائلا: "أما من كان له أي جهد فيكافأ بمقابل جهده، ولكن لا يكافأ بالتنازل عن شريعة الله. قد يملكون تعويض هؤلاء بالمال وبشيء من البترول أو بأي أمر لا يعود على أصل الشريعة، وهذا جائز وله أصله في الشريعة وله أدلته"، منوها في الوقت ذاته إلى أنه "ليس من الحكمة وجود مصادمات مع هذه القوى".

 

وحذر من اختطاف النصر من الثوار، مذكرا بما يحدث في تونس ومصر، حيث "افتعلت معارك في مصر كما تعلمون الآن مع أصحاب التوجه السلفي، لأنهم علموا أنه إذا أقيمت انتخابات فهم المنتصرون، أهل الإسلام أهل المنهج الصحيح -بغض النظر عن الأسماء والجماعات- أهل السنة في مصر هم المنتصرون، وهم الذين فعلا أسقطوا هذ الظالم، الآن يحاولون إثارة فتن وقلاقل وحتى مع الأقباط ليتمكنوا من التدخل الدولي وإبعادهم (الإسلاميين) باختطاف النصر الذي تحقق والأمر لايزال على أشده، ويستخدمون في هذا أشخاص لا تخفى أسماؤهم. ويحاولون كذلك في تونس وغيرها. المجاهدون ينتصرون ويقبض الثمن غيرهم. والغرب له مكر لن يأتي بأمريكي يحكم ليبيا، لكن يأتي بعملاء تربوا في الغرب، وهم أشد". وفيما يخص العفو وإسقاط الدماء، قال د. العمر إن "النبي صلى الله عليه وسلم أول ما دخل مكة أمّن أهلها" حينما قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

 

وشدد على أن "تأمين الناس ضرورة، لأن هناك أناس انخدعوا بهذا الظالم الطاغية وقد لا يكونوا شاركوا في القتل"، مشيرا إلى ضرورة "تأمينهم، لأن هذا الانتصار رحمة بهم". وتابع: "العفو العفو"، مؤكدا أن "من أعظم ما يؤلف القلوب ويحقق الاجتماع هو صرف النظر عن الدماء التي أريقت بين القبائل في هذه الحرب.. وعن مطالبة أحد بشيء منها، وذلك بالعفو المتبادل".

 

وقال فضيلته: "ندعوا إخواننا إلى أن يسقطوا الدماء كما أسقط النبي ص الدماء في حجة الوداع". وتابع: "على أهل ليبيا الاقتداء في ذلك بمواقف بالصحابة رضي الله عنهم حين جرت الفتنة فعفوا". واستثنى من ذلك "من ثبت إجرامه من بقايا رؤوس الحكومة السابقة، فللأمة أن تحاكمهم محاكمة عادلة، ومحاكمة على جرائمهم، كلٌّ بما يستحق".

 

وتابع: "أما عموم الناس فيعفى عنهم لأنه قد يكون لهم تأويل أو إكراه، فإسقاط الدماء سنة، وكذلك الصحابة في الفتن كانوا يسقطون الدماء، وعلى من يتولي الصلح أن يفعل مثل هذا حتى لا تنشب اقتتالات وخلافات داخلية". وأوصى د. العمر أهل ليبيا بتطبيق بشرع الله جل وعلا وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والتمسك بحبل الله، وأن يراعوا في ذلك المصالح والمفاسد، ونقل الناس بعد هذه الغربة الطويلة عن حكم الله جل وعلا والعناية بكل أحكام الشرع للرجال والنساء، ومراعاة شؤون المرأة ولباس المرأة"، مشيرا إلى أن "الشعب الليبي شعب محافظ بالجملة كما رأينا. ورغم 40 سنة من تغريب هذا الظالم له، بقي شعبا محافظا. لكن لا شك أن 40 سنة تعني جيل كامل ومع ذلك، مع كل ما فعل، رأينا أن الناس على فطرتهم وعلى دينهم، رغم أنه قضى على العلماء وعلى المدارس الشرعية وشجع التصوف وغيره. فعلى القائمين والحاكمين لليبيا أن يعيدوا الناس لحكم الله تعالى في كل شؤون الحياة".

 

وقال د. العمر إنه من الضروري مؤازة إخواننا الليبيين في هذه المرحلة، وذلك بالدعاء لهم، كما بزيارتهم. وقال: "أيضا في الحج، زوروهم وهنؤوهم وأعطوهم أشرطة وكتب ووصايا، فهي فرصة ثمينة أن تأخذ معك في الحج ما تحمل من أشرطة وكتب أوغيرها وتعطيها لإخوانك الحجاج عموما والليبيين خصوصا، أيضا إرسال الكتب هناك والمجال مفتوح الآن". وأضاف أنه بالإمكان التواصل مع الليبيين من خلال الظهور في وسائل الإعلام الليبية بترتيب معين عبر قنواتهم؛ "فالإعلام هو الذي يؤثر في الناس أكثر من غيره".