أكتب سيرتك الذاتية بنفسك !
18 ذو الحجه 1432
معتز شاهين

لو كان لنا أن نصف تلك الدنيا التي نعيشها في كلمة واحدة؛ لكانت تلك الكلمة هي ( الطريق )، وحياتنا في تلك الدنيا كالمسافر على الطريق، فالدنيا ما هي إلا طريق له بداية ونهاية؛ يمشي فيه الانسان رحلته من أوله لأخره، يحقق فيه نجاحات؛ وتقابله وتعترضه عثرات، يسقط ويعلو، ويفرح فيه ويحزن.

 

وكباقي الطرق التي يمر فيها الأشخاص يتبقى أثار للذين مروا من هذا الطريق، منهم من يترك أثرا يبقى لدهور، ومنهم من يترك اللاشيء وراءه. فهل سألت نفسك تُرى ماذا سُيكتب في سيرتك بنهاية الطريق؟

هل سيكتبون أنك رجل ولدت ( عاديًا )، لتعيش حياة ( عادية )، وتعمل بوظيفة ( عادية )، وتتزوج بإنسانة ( عادية ) هي الأخرى، لتنجبوا أطفال ( عاديين )، وتموت ميتة ( عادية ) كالمتوقع، ليكتبوا على قبرك هنا يرقد الرجل ( العادي ).

 

هل لو غبت سيفتقدك الناس ويتفقدون حالك؟ وفي الملمات لن يجدوا سواك يستشيرونه ويأخذون بما تراه؟ أم أنك هواء يأتي لكي يمر بجوارهم فقط !
ومن الناس ميتٌ وهو حيٌ بذكرهِ     وحيٌّ سليمٌ وهو في الناس ميتٌ
أم سيكون لك بصمة وأثر على طريق الحياة يتذكرك كل من بعدك حتى وإن لم يرك ؟
وكن رجلاً إن أتوا بعده       يقولون مرّ وهذا الأثر

 

عذرا على قسوتي ولكن الطريق قصير، والزاد قليل، والمهمة عظيمة، تحتاج حقًا لرجال يحملون الأمانة بهمة وقادة.
إذا كنت في أمر مروم      فلا تقنع بما دون النجوم

 

هل همتك ستخلدك إلى الأرض، فتفكر فيها وفي رغدها، وتغفل عن الجنات ونعيمها، ولا يكون لك هم سوى الركون ما أستطعت، أم يكون حالك كحال الصحابي الجليل " أبو هريرة " – رضي الله عنه – حينما كانت توزع الغنائم، فأحسن أختيار غنيمته ففاز بغنائم الدنيا والآخرة معًا، فعنه – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـي: "ألا تسألنِ من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله، فنَزع نَمِرَةً كانت على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى نمل يدب عليها فحدثني حتى إذا استوعب حديثه قال اجمعها فصرها إليك، فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني.

 

وقد فطن أهل الغرب لتلك اللمحة الذكية في حياة الأمم فقال أحد مفكريهم وهو " د. مَارْدِن ": ( وإن الرجل الذي يَدَّخِرُ كل الدقائق المفردة وأنصاف الساعات والأعياد غير المنتظرة والفسحات التي بين وقت وآخر، والفترات التي تنقضي في انتظار أشخاص يتأخرون عن مواعيد لهم، ويستعمل كل هذه الأوقات ويستفيد منها ليأتي بنتائج باهرة يدهش لها الذين لم يفطنوا لهذا السر العظيم الشأن )

 

بهذا السر العظيم الشأن وبغيره من الأسرار – والتي ليست بأسرار على من علت همته -، ارتقى هؤلاء ونجحوا ووصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقدم وحضارة، وأعجب حينًا عندما أرى الكثير منا وقد حطت همتهم رحالها على ما وصلوا إليه رغم ضألته، وأعجب أكثر حين أدرك أنهم قادرون على فعل الأكثر لدينهم وبلادهم.
لذا فارقب ما كان لك من مسير، وارتسم ملامح مستقبلك، وضع بصمتك، واترك آثارك، فأنت من سيكتب سيرتك على طريق الحياة، ولا تنس فالكبار لا يموتون فأثرهم حي يرزق ..
 
ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه       فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
              وبالهمة العلياء يرقى إلى العلا       فمن كان أرقى همة كان اظهرا