إلى من أقدم العتاب ؟!
24 ذو الحجه 1432
أميمة الجابر

الحقيقة أنها قضية قد تبدو جزئية , وقد لايستشعرها البعض , لكن كثيرا من بيوت المسلمين تعاني منها , وهي قد بدأت عند العرب في الجاهلية , ولايزال البعض حتى وقتنا الحاضر يتمسك بها وقد يلبسها ثوبا آخر أو يلونها بلون آخر , لكننا بالطبع نجد كثيرا من الآباء يفضلون الإبن الذكر عن البنت , وهو موروث قديم ولاشك استمر على مر العصور , وفي الجاهلية كان الأب ينتظر مولوده فإذا بشر بالولد تهلل فرحا وإذا كان المولود أنثى اسود وجهه كما قال الله تعالى في كتابه الكريم " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون " النحل

 

وكثير من الرجال يدعون الله بإنجاب الولد دون البنت وهو أمر ليس مرفوضا ولاشك , وقد دعا إبراهيم عليه السلام ربه قائلا : " رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم " الصافات , وذلك الدعاء بالذكور لايقلل من شأن الإناث بحال  .

 

بل إنه في أحيان كثيرة ينقلب الأمر ويرزقه الله بأنثى ثم تكون له أفضل من الذكر كما حدث مع امرأة عمران عندما رزقها الله تعالى بمريم وكان لها شأن أعظم من أي ذكر تمنته .
بل نلحظ واقعيا أن البنت تقوم بدور أكثر أثرا من الولد في كثير من مجتمعاتنا , فهي أكثر قربا من والديها وأكثر برا وأكثر قربا لأبيها وتوددا إليه , وأكثر مساعدة لأمها وأكثر رفقا وحنانا من الأولاد الذكور , مما يزيد مقامها في قلب أبويها وهم يستشعران بذلك جليا عند خروجها من بيت أبيها للزواج  , بل إنها تظل مرتبطة ببيت أبيها برغم بعدها عنهما وهو ما قد لايحدث من ذكور كثيرين يهتمون بذواتهم ومعاشهم وفقط مهملين شأن والديهم .

 

لكن شيئا وددت بثه إلى كل قارىء فيما قد يحدث من الوالدين تجاه هذه الإبنة في غالب الأحيان بعد زواجها وخروجها من بيت أبيها وهو تفضيل الإخوة الذكور عنها في العطايا والهبات وحرمانها من كثير من حقوقها التي منحها الشرع لها ألا وهو حق ميراثها من أبيها .

إنها قضية قديمة متجددة تفتح أبوابها لتقف حاجزا في سبيل تحقيق العدل بين الأبناء وسط أفكار متأصلة في النفس العربية في تفضيل الولد على البنت وخصوصا في الميراث تحججا بأن الإبن هو الذي يحمل اسم العائلة وهو مصدر عزوتها وقوتها وهو المعين للأب في عمله وضمان للأبوين في حالة عجزهم عند الشيخوخة .

 

فنظرة المجتمع للأنثى في تلك المجتمعات لم تتغير على الرغم من كل تلك التطورات التي لحقت بركب المجتمع الحديث وظل الولد هو الأفضل في عين الأسرة وبقيت النظرة للإناث كعبء اقتصادي ومصدر للقلق أحيانا .

 

وإن كانت هذه نظرة الأب لولده لكونه معينا له أو مساعدا له فكيف نقول عن موقف بعض الأمهات اللاتي يساعدن في بقاء تلك الأفكار السلبية بل إنها تعتبر عاملا مؤثرا كبيرا في منع البنت حقوقها بحبها لأبنائها الذكور عن الإناث .

 

بل نرى أن أم الولد في كثير من المجتمعات العربية ترى نفسها مميزة في مجتمعها وبين أفراد عائلتها وتشعر بالفخر كونها أم الأولاد , مما جعلها تنحاز لأبنائها الأولاد بعد وفاة الأب , ويبدو ذلك جليا عند تقسيم الميراث الذي شرعه الله , وعندها نرى تكاسل الإخوة البنين في سداد حقوق البنات , وفي بعض المجتمعات تجد كثيرا من الإخوة يحرمون أخواتهم من ذلك الحق الذي قسمه الله سبحانه لهن , وتتزايد المشكلات بين الأشقاء من البنين والبنات وتنقطع الأرحام بسبب ذلك التنازع على الميراث .

 

وعتابي ههنا لا ينصب على الآباء الذين لا يرعون ذلك الحق ولا على الإخوة الذين يرتضون بأكل الحرام من حقوق أخواتهم فقط بل عتابي على الأم التي تسكت عند رؤيتها ضياع حق ابنتها أو خوفها من مواجهتهم بالحقوق برغم أنها إذا أمرتهم بآداء الحقوق كان لذلك الأثر الكبير في نفاذه وقد تنتهى المشكلات في مهدها إذا قامت الأم بدورها , إلا أن كثيرا من الأمهات تتقاعص وتقبل برضا أبنائها الذكور في مقابل ضياع حقوق الإناث !

 

وليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة , فقد كانت فاطمة الزهراء أحب أبنائه إليه , حتى قال صلى الله عليه وسلم :" فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني " البخاري  , وقال صلى الله عليه وسلم :" من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة " أبو داود  , كما قد حث النبي صلى الله عليه وسلم برعاية البنات وبشر من يحسن إليهن ورعايتهن بالفوز بالجنة , وقد كرم ديننا العظيم المرأة فأعطاها مكانة جعلت منها مشاركة للحياة العامة ومؤدية لكثير من المهام التي قد لا يستطيع أن يؤديها الرجل , فلم بعد ذلك يحدث ذلك التفضيل ؟!
 كم كنا  نتمنى التواصل والتعاضد معا في تغيير هذه الثقافة التي تبيح الحرام وتأكل الحقوق , كما نتمنى تغييرنظرة المجتمع السلبية لحق الإناث وانحيازه لتلبية طلبات الذكور دون إخوتهم البنات  , ولكن إلى من نقدم العتاب في ذلك ؟