التغيير في 40 يوما !
3 محرم 1433
معتز شاهين

 كثيرًا ما يشتكي العديد من الآباء والأمهات من بعض السلوكيات التي تصدر من أبنائهم، ويودون لو أنهم استطاعواا تغيير تلك السلوكيات أو تحسينها وتصويبها، أملاً منهم في تحسين صورة أبنائهم في عقول من يحيطون بهم.
 

وحينما نسمع كلمة ( تعديل السلوك ) تتقافز أمام أعيننا جملة مأثورة من تراثنا الشعبي القديم وهي ( الطبع يغلب التطبع )، فهل تلك المقولة صحيحة؟  وهل صحيح أنه لا يمكننا تغيير ما جُبل عليه الإنسان منذ صغره؟

 

بالطبع لاشك أن ( التعليم في الصغر كالنقش على الحجر )، ولكن الأدلة والوقائع والدراسات المستفيضة حول مسائل تعديل أو تغيير السلوك، أكدت على أنه يمكن تعديل أي سلوك مهما كانت المدة التي لازمنا فيها، وأنا هنا لن أتكلم حول ألغاز وطلاسم تحير من يقرؤها، وسأضرب مثالاً واقعيًا حول تعديل السلوك، مهما طالت ملازمة هذا السلوك للفرد حتى صار طبعًا، أو حتى مهما كبر الفرد نفسه.
 

فلننظر إلا ذلك الجيل العظيم الذي صنع الأعاجيب، أنه جيل الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين - . فبنظرة عامة لذلك الجيل الفريد نجد أن أعمدة هذا الجيل وقواعده ممن تعدوا سن الثلاثين، فمثلا " أبو بكر" – رضي الله عنه أسلم وعمرة تقريبا 37 عام، و " عمر بن الخطاب " – رضي الله عنه – أسلم وعمره 33 عام، أي أنهم قطعيًا قد تطبعوا بطباع ما قبل الإسلام.
 

ولكن ما أن دخل الإسلام قلوبهم ووقر فيه، تغيرت طباعهم وسلوكهم تغيرًا جذريًا! حتى أنه من المفارقات أن " عمر بن الخطاب " – رضي الله عنه - كان يروي أنه قبل إسلامه كان يهيل التراب على أبنته في القبر وهي حية، بل أن أبنته جعلت تمسح له لحيته من التراب المتناثر الذي يهيله عليها وهو يغمر جسدها تحت التراب. أما بعد إسلامه فمرة وجدوه يبكى فلما سألوه عن سبب بكائه قال أنه تذكر عندما وأد ابنته في الجاهلية وتأثر من فعلته وقسوة قلبه قبل الإسلام.
 

وإذا كان الطبع يغلب التطبع فعلا كما يقال، فما فائدة التعاليم السمحة والآداب التي يمتلأ بها الإسلام، إن لم يكن لها ترجمة واقعية ملموسة على الأرض، فلا يمكن أن يأمر الله – عز وجل – عباده بشيء وهم لا يستطيعون إتيانه، فالله – عز وجل – حكيم متصف بالحكمة.
 

ونأتي للعلم وللدراسات التي أثبتت أن يمكن للفرد التطبع بسلوك معين إذا لزمه لمدة أربعين يوم، وهذا ما أكده الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – في قوله ( من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق ) حسنه الألباني ، فهنا ترغيب للمؤمن على لزوم صلاة الجماعة والتكبيرة الأولى لمدة أربعين يومًا، وبعد اليوم الأربعين يصير ذلك الفعل من سلوك المؤمن ويواظب عليه باستمرار.
 

فالمحصلة إذا تجعلنا نقول أن ( التطبع يغلب الطبع ) إذا أحسنا وأجدنا عملية تغيير وتعديل السلوك. وعملية تعديل السلوك هي نوع من العلاج السلوكي يعتمد على التطبيق المباشر لمبادئ التدعيمات الايجابية والسلبية بهدف تعديل السلوك الغير مرغوب، وهو أيضًا التطبيق التربوي لأسس وفنيات تربوية لتقوية سلوك مرغوب فيه وإضعاف أو إطفاء سلوك غير مرغوب فيه .

متى نتدخل لتعديل السلوك ؟
يتدخل المربي لتعديل السلوك وفق مايأتي :
- طبيعة السلوك نفسه الذي قد يتنافى مع طبيعة الإنسان السوي، أو طبيعة المجتمع المحيط به.
- في حالة تكرار السلوك
- طول الفترة الزمنية التي يحدث فيها السلوك، فبعض أنماط السلوك تعد غير عادية لأن مدة حدوثها غير عادية فقد تستمر مدة أطول بكثير أو اقل بكثير .

 

 
وتبدأ عملية تعديل السلوك بتحديد السلوك المراد تعديله بدقة مع التركيز عليه وعدم الانشغال أو خلطه بسلوكيات أخرى، فمثلا حينما تأتي أم وتقول أبني يخاف وأريد تعديل سلوك الخوف لديه، فهنا الأم لم تحدد السلوك بدقة، فيجب تحديد طبيعة هذا الخوف ومصدره، فتقول أبني يخاف من القطط، أو يخاف من الظلام، وإذا تعددت أنواع الخوف يتم التعامل مع كل نوع على حدة.
 
ثم نبدأ بجمع البيانات حول هذا السلوك، ويتم هذا من خلال ملاحظة الطفل ملاحظة دقيقة – مع مراعاة عدم شعور الطفل بهذه الملاحظة -، فنبدأ في حصر عدد مرات حدوث السلوك المراد تعديله، وقياس الوقت الذي يستغرقه السلوك في وحدة زمنية نحددها نحن، وتحدد تلك الوحدة الزمنية من خلال تقسيم الساعة إلى 6 فترات كل فترة عشرة دقائق لنرى متى يحدث السلوك ومدى استمراريته.
 
وعلينا أيضًا تحديد الظروف المحيطة بهذا السلوك، ففي معظم الأحول تكون للظروف المحيطة عامل مؤثر وفعال في حدوث أو تدعيم ظهور السلوك المراد تعديله. وكذلك يجب علينا تحديد الآثار والنتائج والاستجابات المترتبة على هذا السلوك .
 
ثم بعد ذلك نبدأ في تحديد التقنية المناسبة لتعديل السلوك، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة السلوك والظروف المحيطة به كما قلنا، وعمر الطفل المراد تعديل السلوك لديه، وهنا سنورد بعض التقنيات ( الاستراتيجيات ) المهمة والمستخدمة في تعديل السلوك وهي ...
 
1- الحوافز والعقاب
فكل سلوك مؤد إلى مكافئه، يدفع صاحبه إلى تكراره غالبا للحصول عليها ثانية. على العكس السلوك الذي لا يؤدي إلى مكافئه نادرًا ما يدوم لدى صاحبه ويندر حصوله مع الزمن.
2- النمذجة
فالطفل من خلال ملاحظته للسلوك السوي ممن حوله، يتطبع بذلك السلوك، لذا على المربي توفير نماذج إيجابية مختلفة أمام الطفل يتعلم من خلالها السلوك السوي والسليم، فمثلا الطفل الذي يغضب ويثور نحاول تقديم نماذج هادئة من السلوك أمامه وندعمها بالمكافآت والحوافز.
 
3- الإطفاء
فحينما نقلل من إظهار اهتمامنا للطفل بتصرفه الشاذ  - طالما هذا التجاهل لا يعرضه للخطر -، يضعف هذا السلوك ويتوقف نهائيًا، مع ضرورة إتاحة سلوك ايجابي بدلا منه أمام الطفل.
 
4- الإقصاء
وتعني إزالة المعززات الايجابية لدى الطفل في حالة تكراره للسلوك المراد تعديله، فيمكن لنا عزل الطفل في غرفة لا تتوافر فيها فرص للعب ولا للتسلية لمدة تتراوح بين 5: 15 دقيقة كعقاب على السلوك الذي يفعله
 
5- الممارسة السلبية
يعني أن يطلب من الطفل عند تأديته للسلوك غير المرغوب الذي نريد تقليله أن يقوم بتأدية السلوك نفسه بشكل متواصل فترة زمنية محددة إلى أن يصبح ذلك السلوك مكروهًا ومزعجًا للطفل نفسه .
 
6- التصحيح الزائد
إرغام الفرد الذي أساء التصرف على إزالة الضرر الذي نجم عن سلوكه، أو على ممارسة أشكال مناسبة من السلوك في المواقف التي يحدث فيها السلوك غير المناسب في العادة.
 
7- تغيير المثير
بعض السلوكيات السلبية تحدث بظروف بيئية معينة لذا نلجأ لتغيير وتعديل الظروف البيئية التي تحدث فيها ، مثل الطفلان اللذان يتشاجران بجانب بعضهما البعض يفصل بينهما بطفل آخر
 
8- التقييد الجسمي
وهي تعني منع الشخص من تحريك أطرافه أو جسمه لفترة محددة بعد قيامه بالسلوك غير المرغوب المراد خفضه. ( كرسي العقاب )
 
وفي النهاية أمر تعديل السلوك أمر صعب ولكن ليس مستحيلاً، فالسلوك المراد تعديله قد يزداد في بداية تطبيق تقنيات تعديل السلوك ولا يتراجع، ورغم هذا على المربي ألا يتراجع عن استخدام التقنية، ويحاول دائمًا شرح سبب ما يفعله للطفل، ولا ننسى أن التعاون بين الوالدين ركيزة أساسية في تعديل السلوك، واختلافهما معوق رئيسي للتعديل