أنت هنا

19 محرم 1433
المسلم- خاص

دعا الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر الكيانات الإسلامية الفائزة في انتخابات عدد من الدول العربية إلى السعي لتطبيق شريعة الله التي اختارتهم الشعوب من أجلها، لكنه طالب الشباب في الوقت ذاته بالصبر لأن حكامهم الجدد قد لا يستطيعون أن يطبقوا شرع الله تعالى جملة واحدة.

وفي معرض درسه الأسبوعي بمسجد خالد بن الوليد بالرياض، تناول المشرف العام على موقع المسلم استخلاص العبر من قصة نبي الله موسى عليه السلام ووجه الشبه بينها وبين ما يحدث الآن في العالم الإسلامي من ثوارت ما يسمى بالربيع العربي.

وقال فضيلته إن من أوجه الشبه أن "قوم موسى صبروا صبرا عظيما؛ فكان يقتل أبناءهم ويستحي نساءهم، وكذلك الأمة الإسلامية عانت من الظلم والسجون في كثير من البلاد التي وقعت فيها ثورات الربيع العربي".

وتابع: "ومن الشبه كذلك، فجأة الإهلاك والنجاة. فقوم موسى قالوا (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ). فقال لهم موسى: (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ). فجاءت الفاء الفورية: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)".

وأوضح قائلا: "عندما أحرق (الشاب التونسي محمد) البوعزيزي نفسه هل كان أحد يتوقع أن يؤدي هذا إلى أن تقوم ثورة ليس في تونس وحدها بل في عدة دول عربية؟ فالسبب ليس عوامل مادية مباشرة، بل بقضاء الله وقدره"، وكذلك "الماء.. الذي سبق أن ضرب موسى الحجر بعصاه ليخرج الماء، هو نفسه ضربه هذا العصا يتحول إلى حجر كالطود عظيم، فكذلك الذي حدث في هذه البلاد هو قدر الله".

وتوجه د. العمر بنصيحة للإسلاميين الذين فازوا في الانتخابات في المغرب وتونس ومصر وليبيا، قائلا: "اتقوا الله جل وعلا؛ فإن شعوبكم التي ضحت أحسنت الظن فيكم وهي تريد الإسلام"، موضحا أن "الشعوب المسلمة اختارتهم لأنها تريد حكم الله وشرعه.. فاتقوا الله وراقبوا الله في هذا الأمر وأنتم مطالبون شرعا أن تطبقوا شرع الله جل وعلا، ولا عذر لكم إلا فيما لا تقدرون عليه".

واستشهد بقول الله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).

واستطرد بالقول: "هنا أفرق بين شيئين؛ بين أن يكون منهج بعض الحركات والجماعات عدم تطبيق الإسلام كاملا مع كل أسف أو أن تعلن أنها تريد تطبيق الإسلام، كما يعلن (رئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا مصطفى) عبد الجليل، وهو يعلن أنه يريد تطبيق الإسلام في ليبيا لكنه قد لا يستطيع أن يطبقه جملة واحدة"، مبينا أن "هذا يختلف عن من أصله فكره فيه انحراف".

وتوجه فضيلته كذلك للأمة الإسلامية عموما وللشباب خصوصا بالقول: لما اخترتم هؤلاء، كنتم تريدون شرع الله، لكنهم "قد لا يستطيعون أن يطبقوا شرع الله جملة واحدة.. وبعضهم قد لا يحقق هذا الأمر مع استطاعته، ألم يقل الله جل وعلا في قصة بني إسرائيل: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ). ومع ذلك لما قام حكم موسى عليه السلام وهلك فرعون تطور حكم من أعظم الأحكام وهو الجهاد في سبيل الله: (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ). فإذا بموسى يقول لهم: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)، ومع ذلك يقولون له: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ). هنا قال موسى: (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)، فقال الله تعالى: (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ). لكنه لم يأذن لموسى أن يفارقهم، وأمره أن يبقى معهم وأن يترفق بهم، مع أن الله حكم عليهم بالفسق، ورأى أنهم ليسوا أهلا لدخول بيت المقدس. لم يقل الله جل وعلا فارقهم، بل ظل معهم ومات موسى عليه السلام في التيه".

وأوضح قائلا عن الإسلاميين الذي بدأوا يصلون إلى الحكم في دول عربية: "يجب عيْنا أن يطبقوا شرع الله، وهناك من هو صادق ومخلص ويريد تطبيق شرع الله، لكنه قد لا يستطيع. وانظر ماذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية. يقول: ومن الجهاد والإمارة وما يتعلق بذلك من أصناف السياسات والعقوبات والمعاملات في إصلاح الأموال وفرزها، فإن طريق السلف أكمل في كل شيء ولكن يفعل المسلم من ذلك ما يقدر عليه، كما قال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".

ويقول شيخ الإسلام أيضا في كتاب (السياسة الشرعية): فإذا اجتهد الراعي في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان كان من أفضل أهل زمانه وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله".

وقال د. العمر: لا أقول هذا للتبرير للذين يقصرون. هم يجب أن يحكموا بشرع الله تعالى لكنهم قد لا يستطيعون أن يتموا هذا الأمر بسرعة. وقلت إنهم لما نجحوا في ليبيا قالوا سنحكم بالإسلام، ولكنهم عادوا ليقولوا سنحكم بالديمقراطية، وقد يقولون ذلك ليتقوا شر الغرب الموجودين في ليبيا بقواعدهم وطائراتهم.. وقد يكون من الحكمة أن يفعل ذلك. وكذلك قد يقول الديمقراطية وهو يقصد الشورى، لكن هذه هي اللغة التي يفهمونها في الغرب.

واختتم د. العمر بالتذكير بقول الله تعالى (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). وقد رأينا حكمة الله في بيت المقدس أن يتأخر فتحه 40 عاما.