كثر الحديث عن الطفولة والأطفال .. وكثر ادّعاء الدفاع عن الطفولة وحبّ الأطفال .. وربّما كان كثير من المتحدّثين يركبون موجة تتلاشى مع الزمن ، وتبقى الطفولة ضحيّة عرجاء ، تنتظر اليد الحانية الصادقة ، التي تسندها ، والفكرة الصائبة التي تسعفها ،
وربّما كان الحديث عن الطفولة استرضاء لتأنيب الضمير ، وتسكيناً لعذاباته .. وربّما كان تستّراً على مآرب مشبوهة بل مغرضة ، تتاجر بأجساد الأطفال ، وتغتال دينهم ، وتعبث بعقولهم .. وتبقى الطفولة المعذّبة بأهواء الكبار ومشكلاتهم ، لا تجد الواقفين معها إلاّ بالكلام ، ولا المدافعين عنها إلاّ بالمتاجرة والمزايدة ، وعقد المؤتمرات ، وتصدير القرارات ..
ولا أدرك مدى جنايتي على الحقيقة إن كنت أظنّ أنّي بما كتبت ، وبكلّ ما كتب غيري ، وما يكتب الكاتبون أنّنا نحيط بشئون التربية في علاقاتها المتداخلة بين الأبوّة والبنوّة .! وإنّما هي معالجات لهموم حاضرة ، وطرح لرؤى مُلِحّة ، قد يكون كثير منها معالم للتربية الإسلاميّة ، التي نستشرف آفاقها وننشدها ، ورسماً لطريق جيل المستقبل ، الذي نتطلّع إلى غده الواعد بكلّ أمل وشوق .. وحسبنا أن تكون الكلمة الطيّبة لبنة تنضمّ إلى مثيلاتها في البناء ، وشمعة على الطريق .. ويبقى الباب مفتوحاً لكلّ مجتهد جادّ ، ينشد الحقّ ، ويجاهد في سبيله ..
وإنّ أهمّ أوجه أزمة الأمّة ، وما يعوّق نهضتها : أزمة التربية بمفهومها الشامل المتكامل ، وهي تكاد أن تكون أزمةَ الأمّة الكبرى ، فلو أعدتَ كلّ أزمة إليها لما كُنتَ مغالياً ولا مبالغاً .. وأحسب أنّ من يعرض عن الاهتمام بأزمة التربية ، ويشتغل بغيرها من الشئون والأزمات كمن يشتغل عن معالجة المرض بالعرض ، فسيجد نفسه بعد حين أنّه لم يفلح في إزالة العرض ، وفاته القضاء على المرض ..
والتربية التي نريد تلك التربية الشاملة المتوازنة ، التي تعطي كلّ ذي حقّ حقّه .. فهي تشمل عقل الإنسان وجسده وروحه ، وتوازن بين حقوق الإنسان وواجباته ، وتجمع بين علاقاته الخاصّة والعامّة ، وتقتنص الحكمة حيث كانت دون تفريط بالثوابت أو خروج عنها ..
والتربية ميدان واسع ، وآفاق رحبة ، من الاجتهادات والأساليب ، والمواقف والرؤى ، وهي قابلة للتجديد والتطوير ، والتفنّن والإبداع .. وبخاصّة في هذا العصر ، الذي اكتظّ بأمشاج من العلوم والمعارف ، التي تتنازع الحقيقة وتتجاذبها ، وينعكس تأثيرها على فكر الإنسان وسلوكه ، وواقعه وعلاقاته ..