الإنسانية
4 صفر 1433
صلاح فضل

الإنسانية مصطلح تم حبكه وصياغته ، في سراديب المحافل الصهيونية ، ثم أعادت إخراجه وتصديره للعالم مرة أخري ، في صورة حركة تدعو إلي توحيد البشر في كل دول العالم ، عبر رباط الإخوة الإنسانية ، والعمل علي إزالة الحواجز والعقبات التي تحول دون إتمام هذه الوحدة الإنسانية .

 

والإنسانية ،تقوم في أساسها ومبناها علي قاعدة أصيلة في فكر الماسون ولاتنفك عنهم أبداً وهي :" العداء للدين"
وبتحليل بناء حركة الإنسانية نجد أنها : تعتبرأن الدين سداً ومانعا يحول دون إلتقاء البشر وتوحدهم ، فبقدر تعدد الأديان وإختلافها ، تتعدد الخلافات ،وترتفع السدود والموانع التي تحول دون توحد البشرية .

 

ومن هنا ينادي دعاة ومنظرو "الإنسانية " إلي : عدم تحكيم الدين في علاقاتنا مع بني الإنسان ،وجعل الدين علاقة شخصية بين المرء وربه ، والإحتكام إلي المبادئ الإنسانية التي تقوم علي - الخير والسلام والحرية والعدالة والمساواة - لكل البشر في علاقاتنا مع الآخرين .

 

وقد وجدت هذه الدعوة سبيلاً لها في عالمنا الإسلامي،والعربي عبر أبواق وعملاء الغرب ،ومعتنقي الماسونية ، في شتي المجالات  .

 

وروجوا لها عبر وسائل الإعلام ، والمناهج التعليمية ، وإمعانا في المكر والخداع حاولوا صبغ نظرية " الإنسانية " بصبغة إسلامية وذلك بالتأكيد علي أن : الإسلام دين الإنسانية -" وفقا لدعوتهم "- ومستدلين علي ذلك بأدلة
- من الكتاب والسنة - في غير موضعها.

 

وعلي أرض الواقع ظهرت الدعوة إلي الإنسانية ، من خلال حركات وتجمعات مثل : حركات السلام ،والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان .

 

وبنظرة نقدية علي حركة " الإنسانية " يتبين لنا أنها تهدف إلي :
أولا: علي مستوي الفرد :
أن يعتنق الماسونية ، فقبول الفرد لفكرة الإنسانية واقتناعه بمبادئها ، يعد المرحلة التمهيدية لإعتناق الماسونية .

ثانياً:علي مستوي الشعوب .
- نشر الإلحاد بين البشر.
- إغراق البشر في المادية المفرطة،وتفريغهم من القيم الأخلاقية والروحية .
- الصراع الداخلي بين الأمم والشعوب

- إقامة دولة اليهود المزعومة ،وبسط نفوذهم علي كل العالم .
وهذا الهدف، هو الأسمي والأكبر عند اليهود ومن أجله يفعلون كل شئ .

والإسلام يري "الإنسانية" كدعوة ماسونية، تتناقض مع الأصول العقدية والإيمانية للإنسان المسلم .
فالهدف من هذه النظرية هو زحرحة المسلم عن دينه وردته عنه ، قال تعالي :

( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(البقرة: من الآية217)
وهي دعوة مناقضة تماما لعقيدة الولاء،والبراء .
فولاء المسلم يجب أن يكون لله ولرسوله وللمؤمنين ، وماعدا ذلك فهو حرام .

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة:55) 
ونهي عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين .

(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (آل عمران:28) 
ومن بين الكافرين جميعا حذر من اتخاذ اليهود والنصاري ،أولياء .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) 
والأدلة من السنة كثيرة ومتعددة وندلل علي ذلك بما جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي ، عندما جاء ليبايع الرسول على الإسلام ، فقال جريرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، اشْترطْ عليَّ ، فقال صلى الله عليه وسلم : (أُبَايِعُك على أن تعبد الله ولا تُشْرِكَ به شيئاً ، وتُقيمَ الصلاة ، وتؤتيَ الزكاة ، وتنصحَ المسلم ، وتفارقَ المشرك) ( وفي رواية : وتبرأ من الكافر)

والإسلام إهتم بالإنسان،وأعلي من شأنه وكرمه ،بغض النظر عن دينه أوعرقه ،ووضع العديد من الأصول والقواعد التي يجب علي المسلم أن يلتزم بهاعند تعامله مع غير المسلمين ، كما جاءت في القرآن الكريم ،والسنة المطهرة .

فالأسلام ساوي بين البشر في الأصل والخلق ، فالكل يرد إلي أب واحد – آدم - ،وأم واحدة – حواء – .

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) 
وكانت بعثة النبي صلي الله عليه وسلم إلي الناس جمعيا دون تفرقة .

(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (لأعراف:158) 
وأعلي من كرامة الإنسان .

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (لأعراف:157) 
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الاسراء:70) 
ودعا الي الاسلام الي البر والإحسان بغير المسلمين ، والذين لم يدخلوا معهم في حرب أوقتال .

(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) 
ويؤكد النبي صلي الله عليه وسلم علي احترام الإسلام للبشر،ووحدة الأصل والنسب ، بعيدا عن دعاوي العنصرية ،والاضطهاد التي كانت في الكثير من الملل السابقة علي دين الإسلام .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "الناس ولد آدم ، و آدم من تراب "
وتحفظ لنا كتب السير كيف كان النبي صلي الله عليه وسلم يعامل العبيد والأرقاء ،ولايفرق بينهم وبين السادة في المعاملة .

ويقوم لجنازة اليهودي التي تمرعليه ،تأكيدا لإحترام الإنسان كإنسان بغض النظرعن عقيدته . ويزورجاره اليهودي في مرضه .

وتبدو ملامح إنسانية الإسلام في أسمي صورها ،عند الخروج للقتال وحرب الأعداء ، فالبرغم من أن الحرب قد تكون في أحيان كثيرة لرد البغي وتأديب المعتدين، إلا أنها لم تخرج عن الأخلاق الإسلامية، ولم تهدف لإنتهاك كرامة الإنسان رغم عدواته للمسلمين ، فالنبي يوصي جيش مؤته قبل خروجه بقوله : "انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلاَ طِفْلاً صَغِيرًا، وَلاَ امْرَأَةً، وَلاَ تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"وزاد في رواية مسلم: "وَلاَ تَمْثُلُوا". كما جاء في رواية أخرى لأبي داود عن بُرَيدة الأسلميّ: "اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تَمْثُلُوا. "

وكانت هذه المبادئ هي التي إلتزم بها الخلفاء الراشدون بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم ، فعمر بن الخطاب يضع الجزية عن اليهودي  الطاعن في السن وعجز عن الكسب ، بل ويقررله نفقة  من بيت مال المسلمين .
والأمثلة في هذا الصدد أكثرمن أن تحصي .

والواجب علي العلماء والمفكرين التحذير من هذه الدعوة ، وإزالة الغموض الذي يكتنفها ،وبيان خطورتها علي عقيدة المسلمين. والعمل علي تنقية مناهجنا الدراسية من الشبهات والأخطاء التي تتعمد الخلط بين هذه الدعوة والإسلام ، مع توضيح ،كيف أعلي الإسلام من شأن الإنسانية .
والتحذير من الانخراط في التجمعات والجمعيات التي ترتكز في عملها إلي هذه الدعوة ، ومخاطبة المسؤلين لوقف نشاطها في البلدان الإسلامية .