
قالت النيابة العامة المصرية يوم الأربعاء خلال جلسة محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك إن الرئيس المخلوع اشترك في قتل المتظاهرين، مؤكدة أن لديها أدلة قوية على ذلك. كما أشارت إلى أن أجهزة الدولة لم تتعاون في التحقيقات لكن ما انطوت عليه أوراق الدعوى من أدلة يكفي لإدانة المتهمين معه.
وقال المحامي العام الأول بنيابة استئناف القاهرة مصطفى سليمان إن مبارك ووزير داخلية السابق حبيب العادلي وستة من كبار المسؤولين الأمنيين "ساعدوا وساهموا وحرضوا على إطلاق النار" على المتظاهرين خلال الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم مبارك في 11 فبراير الماضي.
واتهم سليمان في الوقت نفسه السلطات المصرية الجديدة بـ"تعمد رفض التعاون مع الادعاء" لتحديد مسؤولية الرئيس السابق.
وذكرت النيابة أمام محكمة جنايات القاهرة أن من بين الأجهزة التي لم تتعاون في التحقيقات وزارة الداخلية وهيئة الأمن القومي التي حلت محل جهاز مباحث أمن الدولة.
وبدأت النيابة العامة مرافعتها يوم الثلاثاء مدعية على مبارك أنه أقام نظاما فاسدا يحمي مصالحه الشخصية ومصالح أسرته ومن قالت إنهم بطانته وأنه سعى لتوريث الحكم لابنه جمال الذي يحاكم معه بتهمة استغلال النفوذ.
ويحاكم مع مبارك بتهم تتصل بقتل المتظاهرين وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من كبار ضباط الشرطة السابقين. كذلك يحاكم معه بتهم تتصل باستغلال النفوذ ابنه الأكبر علاء وصديقه المقرب رجل الأعمال البارز حسين سالم المحتجز في إسبانيا منذ شهور على ذمة قضية غسل أموال هناك.
وقتل في الانتفاضة التي اندلعت يوم 25 يناير الماضي وأطاحت بمبارك بعد 18 يوما نحو 850 متظاهرا وأصيب أكثر من ستة آلاف.
وقال سليمان في ثاني يوم من مرافعة النيابة العامة إنه وزملاءه قاموا بجمع الأدلة إلى جانب تحقيق القضية حين قصرت أجهزة الدولة في موافاتهم بالمعلومات والتحريات، لكنه أكد أن ما انطوت عليه أوراق الدعوى من أدلة يكفي لادانة الرئيس السابق والمتهمين معه.
وسألت المحكمة.. هل تقدمت النيابة العامة بطلبات للجهات المسؤولة في الدولة لتقديم تحريات واستدلالات وقرائن تعين النيابة على القيام بدورها. وأجاب سليمان: "طلبنا من وزارة الداخلية تحريات في عهد وزير الداخلية اللاحق (للعادلي) كما طلبنا من هيئة الأمن القومي بخطاب مرفق في الدعوى أن تقدم للنيابة ما توافر لديها من معلومات وتحريات".
وأضاف: "وصل إلينا خطاب بعد قرابة أسبوع وقالت هيئة الأمن القومي (إنها) غير متوافر لديها معلومات أو تحريات".
وسألت المحكمة: "نفهم من ذلك أن جميع أجهزة الدولة امتنعت عن تقديم مساعدات فهل امتنعت عمدا وتقصيرا أم لم يكن لديها معلومات فعلا؟". وأجاب ممثل النيابة: "رأيي الشخصي أنه كان هناك تقصير. أما رأيي القانوني فهو لا بد من إجراء تحقيق".
ويمكن أن تتقدم النيابة التي بدات مرافعتها الثلاثاء بمطالبها الخميس. واستنادا إلى وسائل إعلام مصرية فإنها قد تطالب بتوقيع أقصى العقوبة التي ينص عليها القانون وهي في هذه الحالة الإعدام.
وكانت النيابة وصفت في بداية مرافعتها الثلاثاء مبارك بانه "فرعون مستبد عاث في الأرض فساداً وفتح الباب أمام أصدقائه المقربين والبطانة الحاكمة دون حسيب أو رقيب".
وأكدت أنه "لم يستمع إلي صوت الشارع الذي يطالب بالعدالة الاجتماعية والحرية واستهان بإرادة الشعب بتزوير الانتخابات لتكون الجواز المزور للتوريث" مشيرة إلى أن النظام "أبقى العديد من الوزراء والمسؤولين لفترات طويلة رغم فشلهم، مما أدي إلى تفشي الفساد وعدم محاسبتهم لحمايتهم بالنظام والشرطة".
وأضافت النيابة أن "النظام تبنى سياسات اقتصادية خدمت الأغنياء على حساب الطبقات المتوسطة والفقيرة ونتيجة لذلك تصاعدت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وارتفعت المشاكل العمالية وغابت العدالة الاجتماعية في ظل تلك السياسة، ما أدي إلي تراجع علمي وانتشار التخلف الذي أدى إلى انحسار دور مصر وفقدان مكانتها العلمية التي كانت تتمتع بها".
يذكر أن محاكمة الرئيس المخلوع المحبوس احتياطيا في مستشفى عسكري في إحدى ضواحي القاهرة قد بدأت في 3 أغسطس, وعقدت الجلسات الأخيرة في المحاكمة في سبتمبر، قبل تعليقها حتى نهاية ديسمبر بسبب طلب تنحية رئيس المحكمة الذي اعتبره محامو المدعين بالحق المدني منحازا. واستؤنفت الحاكمة بعد تثبيت القاضي في منصبه.
وحتى الآن جاءت الشهادات التي تم الإدلاء بها في الجلسات العلنية لصالح الرئيس السابق وأشارت إلى أنه لم يصدر الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، ومن بينها شهادة المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية.
ويقول نشطاء إن المجلس العسكري الذي يحكم بتكليف من مبارك نفسه بعد تنحيه، يعد امتدادا لمبارك ويسعى لتبرئته.
وقال سليمان "يكفي للنيابة العامة أن يكون لديها عدد كاف من الأدلة لإحالة المتهمين للمحاكمة وقد يكون هذا الحد 50%". وأضاف أن النيابة العامة حين أحالت المتهمين للمحاكمة كان لديها "عدد من الأدلة والقرائن والاستنتاجات المنطقية".
وقال سليمان ان النيابة العامة توصلت الى اشتراك المتهمين في قتل المتظاهرين الذين تشملهم القضية والشروع في قتل آخرين.
وأضاف: "التكييف القانوني للقضية هو الاشتراك لأن النيابة العامة لم تتوصل إلى دليل مباشر إلى الفاعلين الأصليين في القضية... خلصت تحقيقاتنا إلى أن الجرائم صدرت من الفاعلين (الأصليين) بصفاتهم (كضباط ومجندي شرطة) ولم نتوصل إلى تحديد أشخاصهم".
وتابع "هؤلاء المتهمون (الماثلون أمام المحكمة) لم يكن لهم دور في مسرح الجريمة".
ومنذ بدء التحقيقات في القضية يتساءل مصريون عن السبب في أن الحكومة لم تقدم متهمين كفاعلين أصليين رغم أن سجلاتها تحدد أسماء الضباط والمجندين الذين كانوا منتشرين في الميادين والشوارع التي قتل فيها المتظاهرون.
وقال سليمان ان من أشكال الاشتراك "مساعدة الفاعل الاصلي على ارتكاب جريمته عن طريق التحريض أو الاتفاق أو المساعدة". وأضاف: "الفاعلون الأصليون زودوا بالأسلحة النارية (رصاص حي ورصاص مطاطي وطلقات خرطوش) لقتل بعض المتظاهرين لتخويف الباقين... هناك علاقة سببية بين إعطاء المتهين (الماثلين) أوامر لهؤلاء الضباط والقيام بأعمال عنف ضد متظاهرين سلميين".
وتستأنف المحاكم غدا الخميس.