13 جمادى الأول 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي هو هل الإيمان ينقص ويزيد عند الشخص المسلم؟ وبماذا يزيد وبماذا ينقص؟ جزاءكم الله خير الجزاء.

أجاب عنها:
إبراهيم الأزرق

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وفي البدء أشكر لك حرصك على مثل هذه المسألة المهمة، فمعرفة أسباب زيادة الإيمان، ومعرفة أسباب نقصانه من جملة طلب أسباب النجاة التي حري بالمسلم أن يطلبها.
وبعد فإن المقرر عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذا أمر يجده المرء في نفسه، وتأمل حالك في رمضان، يوم تقبل على الصدقة والصلاة وتعيش مع القرآن، فهل تجد إيمانك وقلبك كحالك قبله؟
ألم تستمع يوماً لتلاوة شجية من قارئ متقن فنفعك الله بها، ربما دمعت عينك، ربما اقشعر جلدك، ربما رغبك في الخير والطاعة وكل تلك علامات من علامات زيادة الإيمان، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2]، (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الأنفال: 124]، (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء) [الزمر: 23]، وكذلك يفعل الإيمان يوم يرتفع منسوبه في القلوب!
ألم يمر بك موقف احتسبت ما أصابك فيه فوجدت لذلك طعماً في قلبك؟ ألم تلجأ في مواقف إلى ربك فسكنت نفسك؟ ألم تكسرك أحداث بين يدي ربك فوجدت لتلك الذلة لذة! (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران: 173]، (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب: 22].
والمقصود أن زيادة الإيمان ونقصانه أمر جاءت به النصوص، وهو شيء يجده المرء من نفسه، وقد أجمع عليه أهل السنة، وأما أسباب زيادة الإيمان فتجملها كلمة الطاعة وهي اسم جامع، وبضدها تتبين الأشياء، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد: 17]، ولست في حاجة إلى من يعدد لك الطاعات فكلنا يعلم كثيراً منها، لو أخذ أحدنا ببعض ما يعلم لتبدلت حاله، وتجدد إيمانه، وازداد يقينه، لكني أرشدك إلى بعض ما يعين على الأخذ بالطاعات والمبادرة إليها، فمن ذلك:
- أن تجاهد نفسك وهواك، فتأطرها على طلب مرضات الله عوضاً عن الخلود لهواها، وكلما تقدمت في ذلك خطوة وجدت أثرها على قلبك إن شاء الله.
- أن تسأل الله أن يجدد الإيمان في قلبك، وأن يزيده، وأن يوفقك لأسباب ذلك، سؤال المضطر الراغب، وفي الأذكار المشروعة جملة من ذلك، مثل قولك: (الله أعني على ذكرك وشكر وحسن عبادتك)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فا سألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم"، قال الهيثمي: إسناده حسن.
- أن تصاحب من يزيد إيمانك بصحبته، وتتوقى من يضعف إيمانك بمخالطته، فمن الناس من إذا رأيته ذكرت الله، ومنهم من يحثك على الخير، ويصحبك إلى حلق الذكر، ومنهم الصالحون، ومنهم دون ذلك كانوا طرائق قدداً.
- أن تحرص على تعلم العلم النافع ومن أجله علم القرآن، الذي يزيد معرفة بالله، وبدينه، وبنبيه عليه الصلاة والسلام، ومن عرف ربه زاد إيمانه، ومن عرف دينه صدر في أموره عن بصيرة فتوقى أسباب ضعف الإيمان، وعرف الطاعات وكيف تؤدى على أكمل الوجوه وأحسنها، ومن عرف نبيه اتبعه وعظم شرعه.
- أن تحرص على قراءة سير الصالحين والأئمة المرضيين، بدءاً من إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أنبياء الله عليهم السلام، فمن دونهم من أئمة الهدى، فإن لقصصهم وأخبارهم أثر في الاقتداء بهم في صبرهم وثباتهم على الطاعة وبعدهم عن المعاصي وأسبابها.
- أن تتفكر في آيات الله الكونية، واستدلال بها على عظمة الرب سبحانه واستحقاقه الألوهية وحده، فإن هذه الفكر تدفع للإيمان والعمل، ولهذا ذكرها الله عندما أمر بعبادته فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة].
- أن تذكر نعم الله عليك، فإن ذلك يدفعك لشكرها، وعلى المبادرة بالأعمال قبل بلوغ الآجال، ومما يعينك على ذلك زيارة المستشفيات لتعرف فضل الله عليك.
- أن تتذكر الآخرة وتجعلها نصب عينيك، ومما يعينك على ذلك زيارة القبور، وسماع المواعظ، ويدخل في ذلك بعض ما سبق ذكره.
إلى غير ذلك من الأسباب المعينة على الطاعة المنفرة من المعصية، وحبذا لو أتيت بورقة وقلم، ونشرت كتاب الله بين يديك وجعلت كل يوم لك قسطاً من القراءة بتدبر، وفي أثناء ذلك قيدت الآيات الدالة على أسباب زيادة الإيمان ورسوخه في القلوب، إخالك ستخرج بجملة مباركة، فإن وسعت البحث وقرأت (كتاب الإيمان) من صحيحي البخاري ومسلم فسوف تخرج كذلك بجمهرة أعمال صالحة تزيد، وهي وإن كانت كسائر الطاعات من الإيمان إلا أن لبعضها خصوصية في تحقيق الإيمان الواجب أو أصله أو زيادته.
فحبذا أن تجعل هذه الوصية تمريناً أو واجباً منزلياً لن تعدم بركته في حياتك كلها بعده، أسأل الله أن يجدد الإيمان في قلبي وقلبك، وأن يزيده برحمته وفضله، وأن يوفقنا لعمل الصالحات واجتناب الخطيئات، وهو المستعان وعليه الجهد والتكلان.