المصيبة .. ولحظة التسليم
6 رجب 1433
د. خالد رُوشه

[email protected]

إنها اللحظة التي يسلم فيها المرء أمره إلى ربه , فيفتقر له كامل الافتقار , ويتبرأ من حوله وقوته إلى حول الله وقوته , تلك اللحظة التي تصيب المرء فيها المصيبة , فيفجعه أثرها , وتلطمه معانيها  , فيوشك صدره أن يرتجف , وتوشك أعضاؤه أن ترتعد , فيستحضر القلب إيمانه بربه , ويقينه بقضائه وقدره , وصبره على المصيبة , ويعلم أن لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه , فيسكن قلبه , وتهدأ سكناته وحركاته , ويستشعر بنفسه معنى الرضا بالقضاء

 

إن كلمات قليلات قد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مات ابنها , لهي كلمات تستحق أن تكون منهاجا للمؤمن في مواجهة المصائب والآلام , وفي مقابلة الحوادث والصدمات   , فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بامرأة تبكي عند قبر فقال: “اتّقِ الله واصبري” [فقالت]: إليك عنِّي فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي، فأتت باب النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: “إنما الصبر عند الصدمة الأولى” متفق عليه.

 

إذن " إنما الصبر عند الصدمة الاولى " .. هذه هي وصيته صلى الله عليه وسلم , وهي وصية مباركة بكل معنى , ذلك إن أصعب لحظات المصائب هي اللحظات الأولى من الإخبار بها وتلقيها , وقد يذهل البعض في تلك اللحظات عن أثر المصيبة ولا يبدأ يستشعر بحقيقتها إلا بعدما تبدأ في المرور , لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ههنا يعلمنا سبيلا آخر , هذا السبيل يعتمد على مواجهة الواقع , نعم نواجه الخبر , لكننا نرفع أثره المؤلم الحزين عن كواهلنا ونضعه على جانب الصبر والرضا فورا ..

 

لكننا لا نواجه المصائب بصدور عارية بل نتسلح بسلاح الإيمان بقدرة الله سبحانه وتعالى على أن يمررها علينا , فتكون اللحظات الأولى عند المؤمن هي لحظات الاختبار الحقيقي وهي ايضا لحظات المرور من أصعب لحظات المصيبة , وما يأتي بعدها يكون عادة أقل وأيسر

 

إن حديثا آخر للنبي صلى الله عليه وسلم ربما يقرب المعنى أكثر وأكثر إذ يقول صلى الله عليه وسلم :" ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي ، وأخلفني خيرا منها ، إلا أجره في مصيبته ، وأخلف له خيرا منها " الموطأ

 

فهو هنا صلى الله عليه وسلم , ليس فقط يؤكد على ما سبق من معنى الصبر والتسليم فور لحظة معرفة المصيبة , لكنه ايضا يعطينا بيانا للاساس الذي على اعتباره يصبر الإنسان ويهدأ في تلك اللحظات .

 

" فإنا لله وإنا إليه راجعون " وليس أحد منا يملك لنفسه شيئا , وكلنا إليه سبحانه راجعون عندما يحين الحين , ثم يطلب من ربه سبحانه ألا يمرر تلك المصيبة عليه إلا بأجر , ثم يرجوه سبحانه أن يبدله مثلها بل خيرا منها , إذ الله سبحانه هو الرزاق يرزق من يشاء وهو بيده الخلق والأمر .

 

فتلك إذن معان قوية الأثر , كفيلة بصد وجع الخبر , مهيئة للنفس أن تتعايش مع الموقف الشديد , بل أن تخرج منه فائزة مكتسبة للفضل .
إنه منهج علوي سماوي راق , يسمو بالنفس الإنسانية في مواجهة الخطوب , فيزيدها قوة إلى قوتها , ويفيض عليها نعمة ورزقا .