
لم يترك مظاهرة في كفر سوسة إلا وشارك فيها ... كان ينتظر بزوغ فجر الثورة بفارغ الصبر ، فقد عانى من ظلم النظام في أقبية السجون طيلة ستة وخمسين يوماً في فرع الأمن العسكري ، لم يترك حياً من أحياء العاصمة دمشق إلا وترك فيه بصمته ، وفي الليل عندما يخلد الناس للنوم كان له شأن آخر .
إنه يحمل بخاخه وينطلق إلى شوارع دمشق ليكتب على جدرانها كلمات هي أشد من الرصاص على النظام ، حاول النظام معرفته لكن دون جدوى , فقد كان ينتقل بحركة عجيبة بين أحياء دمشق ليقوم بهذه المهمة وقد وضع غطاء على رأسه ، يخفي به وجهه ، وكان مما يساعده في ذلك حركته السريعة جداً، فهو شاب في مقتبل العمر لم يتجاوز الثالثة والعشرين سنة .
كان النظام يتمنى أن يعرف اسمه وبقي يتتبع آثاره سنة كاملة كي يقبض عليه ، وجهز لذلك جيشاً من عيونه وأتباعه لكنه باء بالفشل والفشل الذريع .
ومما زاد النظام غيظا عليه تلك العبارات المقذعة المنتقاة التي يكتبهاهذا المجاهد الصامت ، والتي كانت تشعل جذورة الثورة في نفوس الناس عند قراءتها . إضافة إلى أن مايكتبه يحتاج إلى ورشة من العمال لا عمل لها سوى مسح تلك العبارات.
وفي الرابع من نيسان من عام ألفين واثني عشر للميلاد ، وبينما كان هذا البطل في إحدى المظاهرات يصدح بالهتاف لإسقاط نظام بشار ، أطلق الأمن السوري النار على تلك المظاهرة فأصابت أحد المتظاهرين ممن كان بجواره ، فقام على الفور محاولاً إسعافه فاستهدفته رصاصة من أحد الشبيحة مما أدى إلى استشهاده , وهناك علمت أجهزة النظام من خلال نَعْي الوفاة أن اسمه نور ... ، وأنه هو الرجل البخاخ الذي أتعبها على مدار عام كامل ، ولم ينس أهل حي كفر سوسة هذا المجاهد الصامت فخرجوا جميعاً وفاء له لتشييعه الذي لم يشهد ذلك الحي تشييعاً مهيباً مثله منذ عشرات السنين .
رحمك الله يا نور وجعل الجنان مثواك .