بيوتنا ..وحمى التسوق
30 رمضان 1433
معتز شاهين

جاءت الايام الفاضلات ومن بعدها الاعياد لتبارك لنا أوقاتنا بنفحات إيمانية تعبدية يحرص عليها كل طامح في الفوز بالرضا الرباني والتوفيق الإلهي، ولكن للأسف يتعامل الكثير منا مع تلك النفحات الربانية على انها مواسم أكل وشرب وشراء بدلا من أن تكون مواسم طاعات.

 
فنجد الكثير من الناس قبل تلك الايام المباركة وخلالها يسارعون في شراء حاجيات الأكل والشرب – والملابس قبل الاعياد – بكميات متخمة، وكأن تلك الايام هي أخر أيام لهم في الحياة، لذا يعدون أنفسهم للأكل بأقصى قدرة ، ويوفرون طاقاتهم الكاملة لتحريك فكوكهم من أجل المضغ بدلاً من تحريكها لقراءة القرآن مثلاً.

 
وتجتاح بيوتنا حمى مقلقة هي " حمى التسوق"، وتلك الظاهرة إن لم يتم التعامل معها بشكل سوي وسليم ستتفاقم، لأنها لا تؤثر على الفرد أو الأسرة فقط ؛ بل يمتد تأثيرها لو تركت بدون علاج لتنطبع على المجتمع ككل، ويتحول المجتمع إلى مجتمع مستهلك غير منتج، مجتمع متخم فاقد للنشاط والحيوية، مجتمع يميل للبلادة والركون إلى الأرض.

 
وقد تنبهت المجتمعات الغربية لذلك الخطر العضال الذي يداهمها، وعدوا " حمى التسوق " هذه ( مرضا )؛ يصيب الإنسان ويعيقه عن مواصلة نشاطه المجتمعي كإنسان سوي؛ لدرجة أن بعض الحكومات الأوربية وضعته ضمن نظام التأمين الصحي على مواطنيها باعتباره مرض معدي، يتأثر به المحيطين بالمريض وينتقل ليؤثر على المجتمع ككل.

 
و" حمى التسوق" هي عبارة عن حالة نفسية يمر بها الفرد وإذا لم يتم التعامل معها قد تتطور وتتحول إلى مرض نفسي، وتلك الحالة النفسية تكون مصاحبة – في معظم الأحوال – لحالات الاكتئاب، وتحتاج إلى تدخل وعلاج سلوكي سريع ومباشر – كما سنوضح لاحقاً -، وفي بعض الحالات المتأخرة تحتاج إلى استخدام العقاقير التي تعالج حالات الاكتئاب.

 
وتلك الحمى لا تقل خطورة وقد تعادل الإدمان ، ويمكن لنا أن نعرف تلك الحالة من هوس الشراء بأنها عملية هروب للفرد من واقعه والمشاكل التي تحاصره إلى حالة من اللذة والمتعة يجدها في شراء وامتلاك الحاجيات؛ أيًا كانت تلك الحاجيات أو درجة حاجته لاستخدامها، كل ذلك من أجل رفع الروح المعنوية له، وتغيير حالته المزاجية من حالة غير سارة يعيش بها، إلى اصطناع حالة سارة يعيش فيها.
 

وتصيب تلك الحالة النفسية النساء بصورة أكبر من الرجال، فلقد أثبتت دراسة حديثة أن نصف نساء العالم على الأقل يتعرضن للأصابة بتلك الحالة من الهوس الشرائي في فترات حياتهم المختلفة، وتفسير ذلك يرجع إلى أن " حمى التسوق" تلك مثلها مثل كل الحالات النفسية الناتجة عن كثرة الضغوط النفسية على الفرد، وبطبيعة الحال المرأة أقل تحملاً للضغوط النفسية من الرجل – نظرًا لعاطفتها الجياشة وحساسيتها المرهفة التي تناسب طبيعة تكوينها النفسي -، فتلجأ للشراء للهروب من تلك الضغوط، وبذلك تكون أكثر هوسًا للشراء من الرجل.

 
ولتلك الحالة أسباب متعددة وكثيرة .. ولكن يمكن لنا أن نوضح بعضها مثل :

1- حالات الاكتئاب – كما قلنا من قبل - وهي عامل رئيسي لتك الحالات، فهي تعتبر رغبة من الفرد للهروب من كابوس الكآبة والقلق والاضطراب إلى واحة الشراء المزعومة التي يتخيلها الفرد ليهرب فيها من ضغوط الحياة المتوالية عليه.

 
2- قد تكون تلك الحالة ناتجة عن مشاعر نفسية سلبية مر بها الفرد خلال فترة طفولته وأثرت فيه مثل :

- إهمال الوالدين للطفل، فيجعله ذلك يشعر بعدم الأمان، مما يجعله يقبل على شراء كل ما يقع تحت يديه لكي يشعر بذلك الأمان الوهمي حتى ولو اضطر لسرقته!

- كثرة النقد الموجه للطفل وهو صغير.

- رفض الآخرين للطفل، فتجعل الفرد يشعر بأنه غير مرغوب فيه؛ فيعوض ذلك بكثرة الشراء حتى يشعر بوجوده وبمدى قدرته على امتلاك الاشياء.

- سيطرة الأهل المبالغ فيها على الطفل ، فيشعر في حال شرائه الأشياء بأن سيطرة الأهل عليه قد زالت، وأنه قد امتلك زمام أمره.

- الحب المشروط من قبل الوالدين، فنجد أن الوالدين يمنحان الحب والحنان لطفلهم بشروط حتى يستطيعا السيطرة عليه، وبذلك يفقد الطفل ثقته في نفسه، أو تحوله لإنسان أناني جل همه ينصب على امتلاك كل ما حوله.

- الحرمان المادي في سنوات العمر الأولى نتيجة للفقر أو بخل الأسرة.

 
3- الدعاية ، فالعاملون بمجال الدعاية قد امعنوا في دراسة نفسية الرجل والمرآة كل على حدة بصورة علمية نفعية بحتة، فعرفوا أن المرآة تصاب أكثر بالكآبة من الرجل، لذلك دائماً تظهر إعلاناتهم الأفراد الذين يشترون سعداء ممتلئين بالحيوي ، وأن الآخرين يلتفتون لهم ويهتمون بهم وبما شروه، ولهذا تسعى المرأة لشراء البضاعة لأجل هذا الأمل الوهمي.

 

 
وللتخلص من ذلك الداء العضال يحتاج ذلك إلى تضافر جهود المجتمع والأسرة لإنقاذ الفرد من براثن تلك الحمى المقلقة، فعلى المجتمع أن يبني في نفوس أفراده منذ الصغر حب العمل والانتاج، والرغبة في تطوير الذات والنشاط، كل ذلك ينفي عن المجتمع خبث الركون والضعف، ويصبح لكل فرد بداخل المجتمع هدف يطمح في تحقيقه ويتحول المجتمع من مجتمع مستهلك إلى مجتمع منتج وفعال.

 

 
أما بالنسبة لدور الأسرة؛ فعلى الأسرة أن تُشعر أفرادها بأهميتهم بداخلها حتى لأن الشعور بعدم الاهمية يجعل عامل الأكان النفسي لدى الفرد منخفض مما يؤدي لحالات قق قد تنتاب الفرد تدفع نحو الشراء الهستيري كوسيلة لهروب من ذلك القلق، فالحل يكون في كسب ثقة أفراد الأسرة مرة أخرى.

 

 
ونأتي هنا للفرد وكيف يتخلص من تلك الحمى؟ والمضاد الحيوي الأهم والفعال والذي سيقضي – بإذن الله – على ذلك الداء هو طريقة ( أعترف .. وأسأل )! فعلى الفرد أن يدرك ويعترف بأن لديه مشكلة، وإلا فلا طائل من العلاج مع شخص لا يظن أنه مريض أصلاً، ثم يطرح سؤال مهم على نفسه .. لماذا أشتري كل تلك الأشياء ؟ ويحاول بمساعدة أفراد الأسرة كلهم أن يضعوا حلول منطقية لذلك السؤال.

 
ختامًا سنحاول تقديم يد المساعدة للمريض، وذلك بأن نورد بعض النصائح - أو لنقل الحيل النفسية - التي تعين على التخلص من " حمى التسوق " تلك:

1. للنساء تحديدًا؛ اقنعي نفسك بأنه ليس كل الألوان تناسبك.

2. اقنعي نفسك بأن موديلاً آو موديلين فقط يناسبانك.

3. اشتري شيئاً آخر غير الذي تنوي شرائه ( ككتاب أو شريط علمي ).

4. ابتعد عن المحلات التي تغويك بشجاعة، واذهب للتسوق في المحلات التي لا تغويك بضاعتها.

5. ابعث أحد بدلاً منك لشراء شيء تحبه حتى لا تشتري أكثر مما تريد.

6- ابتعد عن ( الهايبر ماركت )، لأنك تدخل لشراء حاجة تخرج بعشرات الحاجيات.

7. لا تذهب للشراء مع صديق مصاب بهوس الشراء أيضاً.

8. تجنب التنزيلات ( التخفيضات ).

9. لا تشتري شيئاً قبل أوانه مثل الشراء لحفلة زفاف ستحصل بعد أشهر.

10. كلما طرأ عليك شعور التسوق اربط التسوق بشيء غير جيد مثل حادث ما حصل لك أثناء التسوق.

11.اصرخ ولو بصوت مرتفع كلما دفعتك نفسك للشراء.. وردد ( لماذا احتاجه ؟ ).