خنساء سورية
5 ذو القعدة 1433
عبد الرحمن الشامي

إنها بحق خنساء سورية , بل لقد فاقتها في صبرها ورباطة جأشها , هناك في مدينة في جسر الشغور التابعة لإدلب الخضراء ولدت أمينة , و بها ترعرعت , ومن أحد رجالاتها المؤمنين المخلصين تزوجت .

 

 لم تكن تحلم أن تقطن قصوراً ولا أن تملك أموالاً طائلة , لقد كان هدفها في هذه الحياة أن تنجب أولاداً تربيهم في طاعة الله ليكونوا جسراً لها ولأبيهم إلى جنات عدن , فقد كانت تقنع باليسير من الطعام , وتوصي زوجها أن يبتغي الرزق الحلال ولو كان قليلاً , وكثيراً ما كانت تقول له : نصبر على جوع الدنيا ولا نصبر على نار الآخرة , وكان زوجها يثمن لها هذا التعامل وهاتيك الأخلاق , فيتعامل معها بكل ود واحترام .

 

 

لقد أمضى معها ما يقارب من خمس عشرة سنة لم تسمع منه خلالها كلمة تؤذيها , وها هي تنجب له أربعة أولاد كأنهم أقمار مضيئة , وهذا ما جعل المحبة بينهما تزداد وتكبر , لكن دوام الحال من المحال . ففي عام اثنين وثمانين وتسعمائة وألف اشتعلت الثورة على الطاغية حافظ الأسد , فما كان منها إلا دفعت به إلى أتونها , ويقتل زوجها في إحدى المواجهات مع جيش النظام.

 

 

ويبدأ عهد جديد لهذه المرأة بعد فقدان زوجها , لقد أصبحت هي الأم والأب , فكانت تقوم على تربيتهم التربية الإسلامية القويمة , وفي كل يوم كانت تذكرهم بقتل أبيهم والكثير من أمثاله على أيدي زبانية هذا النظام الجائر . ويشب الأولاد وتفرح بزواجهم الواحد تلو الآخر , وتُمْضي معهم ومع صغارهم أجمل الأوقات , وهي لا تدري ماذا يخبَّأ لهم >

 

 

وفي عام ألفين وأحد عشر للميلاد قامت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا , ثم انتقل ربيع هذه الثورات إلى سورية سريعاً , وفي ظل هذه الثورة تذكر الأولاد أباهم وكيف قتله هذا النظام الجائر ظلماً وعدواناً مع الكثيرين , فاجتمعوا ومضوا إلى أمهم يستأذنونها بالخروج في المظاهرات والوقوف في وجه نظام الطاغية الابن , فما كان منها إلا أن قالت لهم : امضوا ولا أحد يتأخر منكم وإن شاء الله سننتصر عليهم ....

 

 

ويصل إلى مسامع النظام قيادتهم للمظاهرات ضده ,فيستدعي الأم المجاهدة ويطلب منها عودة أبنائها عن الاشتراك في المظاهرات , ويهددها بقتلهم جميعاً , فترد عليهم : اقتلوهم ! فأمرهم بيد الله , فنحن لانخاف , وأنتم بظلمكم هذا أشعلتم فتيل هذه الثورة .

 

عندها علم النظام أنه لن يفتَّ من عضدها إلا بقتلهم , فبدأ بقنصهم الواحد تلو الآخر  , وفي كل مرة تخر أمينة ساجدة شكراً لله , وتراها واقفة كالطود الشامخ صابرة محتسبة مشجعة من بقي من أولادها على المضي في هذا الطريق قائلة :( النصر أو الشهادة )

 

نعم لقد ماثلت هذه المرأة خنساء العرب ( تماضر بنت عمرو ) , بل كثيراً من الرجال , وليس غريباً أن يُطلِق عليها الناس اليوم بحق : خنساء سورية .