مبدأ تبرير الوسيلة والتربية على الانحراف
22 محرم 1434
د. خالد رُوشه

أتحدث عن المبدا المكيافيللي الشهير المعروف , الذي يبيح - من أجل الوصول للهدف - ارتكاب الخطايا , واستخدام الوسائل جميعها مهما كان قبحها وسوؤها وعدم شرعيتها ..

كثير منا ولاشك يستقبح هذا المبدأ ويعلن رفضه على المستوى النظري , ويعلم أبناءه رفضه على المستوى النظري أيضا , لكن كثيرا من أفراد مجتمعاتنا يقوم بتنفيذه عمليا بكل حذافيره , وربما بمستوى من الانحراف لم يكن يطمع فيه ميكيافيللي نفسه !

ولسنا بحاجة أن نستدل بدلائل على استمرار كثير من السياسيين في مجتمعاتنا , خصوصا تلك التي يسيطر عليها الليبراليون أو العلمانيون أو يطمعون في السيطرة عليها , في تنفيذ ذلك المبدا والسير على خطوطه العريضة ..

فالصراعات السياسية التي تسيطر على شاشات الفضائيات , والتي تعتمد بالاساس على تشويه الخصوم , والكذب عليهم , ونشر الإشاعات الضارة بهم , بل تعتمد كذلك على إخفاء الحقائق وبث الأكاذيب , تركد في النهاية في عقل المشاهد القابع في ركنه فاغرا فاه من شدة الجذب , فاتحا أذنيه ليعي ما يسمع !! ... الابناء كذلك يستمعون , ويقر في ذواتهم ذلك النوع الرخيص من الابتزاز في الخصومة , ولا يجدون من يقوم لهم المعروض ولا يفصح لهم عن الحقائق

وهذا المبدأ المنحرف وإن كان أساسه سياسي , فإن تطبيقه مع الأسف طال جهات عديدة من مناحي الحياة غير السياسية أيضا .. ففي الجانب التطبيقي , يلحظ ابناؤنا سيطرة الوصوليين , ممن يحسنون التقرب من ذوي الجاه والمكانة , ويتمسحون بهم , ويصححون لهم أخطاءهم , والطفل الصغير الذي لم يكتمل بناؤه القيمي بعد يكون عرضة لتلقي القيم الساقطة مادام لم يجد من يوجهه إلى تبيينها والتعريف بخطئها ..

كما يجد ابناؤنا أنفسهم في حلبة صراع على المال , وبينما يجدون أن الأكثر تنازلا عن القيم الصحيحة هم الأكثر قدرة على كسب المال , إذ لايبالون بحلاله أو حرامه , ثم لايجدون من يعلن عن خطأ تلك الممارسات المنحرفة في جمع المال , فيتراكم في عقلهم الباطن قبول تلك المعاني القيمية الخاطئة , ويعين عليها زخرفة المال وحلاوة جمعه والرغبة في التشبه بالأغنياء , فيرى ابناؤنا المرتشين يزدادون مالا , ولا يأحذ على ايديهم أحد , ويرون بائعي ضمائرهم بالمال يتصاعدون في المكانات , ويرون الغشاشين يزدادون رواجا في بضاعتهم ... عندئذ تختل عندهم القيم في لحظة لايجدون مقوما ولا معلما

كذلك يجد أبناؤنا في مجتمعهم نموذجا آخر من الانحراف سعيا وراء الشهوة , ووراء العري والإباحية , رغبة في إشباع الرغبات , وبينما هم يرون بأعينهم رواج برامج العري , واشتهار النماذج الساقطة , وانتشار الخلاعة , بشكل واسع لم يجد له مانعا ولا غاضبا , في لحظة تراجعت فيها ادوار التربية الإيمانية القويمة , فيسهل عندئذ الانحراف .. ويتبسط العمل به ..

لقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم الساكتين على ما يرون من انحرافات مجتمعية بحجة أنهم لم يسقطوا فيها , بمن تركوا بعض راكبي سفينتهم ليخرقوا فيها خرقا , وأوضح أن هذا الخرق لم يكن ليغرق الآخرين دونهم ...

فعن النعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا ,عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: " مثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا ,كَمَثَل قَوْمٍ اسْتهَمُواعَلَى سَفِينةٍ,فَأَصَاب بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسفَلَهَا,فكَانَ الذِينَ في أَسْفَلِهَا إذَااسْتَسْقَوْا مِنَ الَماءِ مَروا عَلَى مِنَ فَوْقَهُمْ ,فَقَالُوا لَو أَنّنا اخَرَقْنَا في نصِيبنَا خَرْقاً ,وَلَمْ نُوْذِ مَنْ فَوْقَنَا ؟فَإِن ْترُكُوهُمْ وَما أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً ,وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجوْا جَمِيعاً " متفق عليه