ضعف الثقة عند الابناء وعلاجه
29 جمادى الثانية 1434
د. خالد رُوشه

الثقة بالنفس وصف مطلوب ومهم من صفات المؤثرين والمنجزين والموجهين والقادة , بل هو وصف مطلوب لكل متصدر لعمل , حتى يستطيع إتقانه , ويستطيع النجاح فيه

وتبين الثقة في النفس عند الابناء في شجاعتهم , وسعيهم لحل المشكلات الطارئة عليهم , والمبادرة لدعم الآخرين , وتكرار المحاولات حتى النجاح في أداء الأعمال , كما تبين في نظرته النقدية الإيجابية البناءة لما حوله , وطرحه الحلول , وقدرته على الأداء بتميز

وإذا اقررنا تلك الأوصاف للطفل الواثق بنفسه , فإن ضدها هي صفات ضعيف الثقة بنفسه , فهو متردد متراجع في مواجهة الأمور , خائف من مواجهة مشكلاته , منسحب أمام آلام الآخرين , سريع الياس , راض بواقعه , غير مبادر للتغيير الإيجابي , مستقل لإمكاناته وقدراته .

والواقع أن كثيرًا من الأطفال ينتابهم بدرجة أو بأخرى هذا النوع من الشعور بالعجز وعدم الفاعلية وهو شعور ربما يكون حقيقيًا في بعض الأحيان وربما يكون وهمًا في أحيان أخرى.

فتجد الطفل ضعيف الثقة يتهرب من المشاركة مع أقرانه في أداء أي أعمال جماعية، أو تجده يميل إلى الانطواء والخجل؛ بل ربما يبدو مستهترًا ولا يعبأ بالتوجيهات التي يصدرها له والداه أو معلموه لكونه يرى في نفسه أنه ليس لديه أية مواهب وأنه يعاني من نقص أو عجز أو ضعف ما؛ وهو السلوك الذي يطلق عليه العلماء : "الاجتناب" , وهو معلم هام من معالم ضعف الثقة لدى الطفل

وتعود اسباب ضعف الثقة لدى ابنائنا لأمور مختلفة , منها تكوينه الجسماني الذي قد يكون ضعيفا بين زملائه , أو تراجعه في التحصيل الدراسي وملاحظته ذلك بين أقرانه .

وقد يكون سبب ضعف الثقة بعض الممارسات التربوية الخاطئة للأبوين والمعلمين , فالأب الذي دوما يقلل من قدرة ابنه على أداء المهام يتسبب في ضعف ثقته بنفسه , فعدم إيلاء الثقة في حد ذاته إضعاف للثقة

والأب الذي لايكترث بوجود ابنه , ولا بأفكاره ولا باقتراحاته , والأب الذي يكثر من كلمات السخرية من أداء ابنه , أو يكثر النقد له بأسلوب فظ , كل ذلك يصب في عدم ثقة الابن في نفسه .

يلحق بذلك ايضا ما يحلو لبعض الآباء فعله من مقارنة ابنائهم بالآخرين من الاصدقاء أو الاقران ممن هم في نفس المرحلة العمرية أو الأصغر قليلا , وعادة ما تكون أهداف الوالدين تشجيع الابناء , لكنهم لايعلمون أن ذلك مدمر لنفوسهم ومحطم لمعنوياتهم ومتسبب لتراجع ثقتهم بأنفسهم , خصوصا إذا كانوا يقارنونهم بآخرين من المتفوقين أو المتميزين , هذا فضلا على ما يمكن أن يسببه ذلك من شحناء نفسية من الابن تجاه المقارن به .

التدليل ايضا سبب من اسباب ظهور عدم الثقة , فالتجربة تولد الشعور بالقدرة على النجاح , والتكرار والإعادة والاحتكاك بمعاملة الآخرين يولد مشاعر التحدي وينمي ثقة النفس

النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على بث الثقة بالنفس في قلوب الصبيان والصغار من أبناء الصحابة رضوان الله عليهم , فإذا به يقول في حديثه " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير "

ويتيح صلى الله عليه وسلم لشابان صغيران الفرصة لدخول المواجهة مع الكفار , فمن يستطيع أن يصرع الآخرين ويكون قادرا على حمل السيف والمناورة يعطيه فرصته , حتى أعطى معاذا ومعوذ ابنا عفراء الفرصة فكانا مستحقين لها فقاما بقتل فرعون هذه الأمة أبي جهل

ويضع ابن عمه الصغير عليا رضي الله عنه في موقف شديد , إذ ينيمه مكانه في ليلة الهجرة , واثقا في قدرته على الثبات والصمود , وغير ذلك كثير

وسعيا لبث الثقة في نفوس الابناء ينبغي مراعاة بعض الأمور الهامة منها :

تشجيع الابناء بكلمات التشجيع المختلفة , وأستطيع أن أقول إن كل ما يصب في الدعم النفسي والتشجيع للابناء هو في مصلحة الأبن مادام لايدعوه إلى غرور أو تكبر أو عجب

كذلك ينبغي على الآباء حذف كلمات السخرية وأدواتها من سجلات معاملاتهم مع ابنائهم فهي لا تسبب إلا في شىء سلبي بالتأكيد

وفتح الباب مشرعا للأبناء للتعبير عن أفكارهم خطوة جيدة للغاية في سبيل بث الثقة , خصوصا إذا لاقت هذه الأفكار تأييدا من الأسرة وتم تنفيذها بالفعل

كذلك إيكال المهام إلى الأبناء , وتركهم في ذلك – بعد نصحهم – ليجربوا , وتعليمهم أن الفشل في التجربة ليس فشلا في العمل , فقد جرب مخترع الكهرباء 99 مرة يفشل ولم يكتب له النجاح إلا في الأخيرة

وأصل الثقة في قلب الطفل المؤمن تعليمه التوكل على الله سبحانه , وارتكانه على ركن ركين , فمن كان الله معه فإن معه كل شىء قال صلى الله عليه وسلم بينما هو يبث الثقة والقدرة في نفس صاحبه الصغير ابن عباس رضي الله عنهما " ياغلام احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسال الله وإذا استعنت باستعن بالله .... الحديث " أخرجه الترمذي