المتصدقون بإسعاد الناس
29 رمضان 1434
د. خالد رُوشه
إنه سعي النفوس الطاهرة ومبتغاها , وعملها اليومي الدائم , أن يفرجوا كربة المكروبين , ويزيلوا الهموم عن المهمومين , ويعينوا المحتاجين , وييسروا على المعسرين , عملهم اليومي الكريم هو إضفاء البسمة على تلك الشفاة الجافة وتلك الوجوه التي كستها الأحزان .. يال روعة جهدكم , ويالطهارة سعيكم ايها النبلاء

 

 

  كل المسلمين يتصدق , وكل صدقاتهم خير وبرهان على الفضيلة , لكن صدقة هؤلاء من نوع آخر متميز , لايكتفي بمجرد إعطاء المال أو الطعام , بل يحرص أن يصحبه دائما سعادة وسرور , وراحة وسكينة ..

 

 

  لاشك أن السعادة نعمة من الله سبحانه , والسكينة منة منه سبحانه , لكن هؤلاء الأطهار يبحثون عن أسبابها ويتوكلون على ربهم بنية شفافة نقية يقدمونها للناس , والله يعلم نبل مقصدهم وإخلاص عملهم فيوفقهم وييسر لهم .

 

 فكم من حزين خففوا من حزنه , وكم من كسير أعانوه على جبران كسره , وكم من مريض قووا نفسه أمام مرضه , وكم من كئيب ساعدوه على التغلب على كآبته , يالها من مهمة نورانية ..

 

 

 

 كل الناس بحاجة إلى يد حانية، تربت على أكتافهم في أوقات المصائب، وتقوّم انكسارهم في أوقات الآلام، وتبلل ريقهم بماء رقراق عند جفاف الحلوق..

 

  

ومن طالت به خبرته بالحياة، علم أن أعلى الناس فيها قدرًا هم الناصحون لغيرهم بالعلم النافع، والمفرجون كُرَب الناس بالبذل والعطاء، والميسرون على المعسرين بالتضحية والفداء، والباذلون جهدهم لإسعاد غيرهم..

 

 وما أروع أن يلتقي ملهوف أو كسير أو يتيم بهؤلاء الكرام ..!

 

 وتذكر معي ذلك الصحابي الذي أسرع بكل قوته ليبشّر الثلاثة الذين خلّفوا بعفو الله عنهم وصدره يمتلئ حبًّا وفرحًا وسعادة وسرورًا، حتى إنه لم ينتظر حتى يصل إليهم، بل بدأ يناديهم من بعيد من على جبل سلع بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. يقول كعب: فخررت ساجدًا، وعرفت أنه قد جاء فرج، فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عز وجل علينا.

 

  

 

إن ذلك الصحابي المنادي لهو من المتصدقين بإسعاد الناس ، ولو على حساب إرهاق أنفسهم..

 

  

 

وانظر معي -أيها القارئ الكريم- وأنت في يوم عيد ونداء النبي صلى الله عليه وسلم يرفع قدر هؤلاء ، وذلك في الحديث الثابت الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن، وأن يفرِّج عنه غمًّا، أو يقضي عنه دينًا، أو يطعمه من جوع» (أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وحسنه الألباني في الصحيحة 1494).

 

وفي رواية للطبراني: «إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم: كسوت عورته، أو أشبعت جوعته، أو قضيت حاجته». وللطبراني أيضًا عن عائشة رضي الله عنها: «من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورًا، لم يرض الله له ثوابًا دون الجنة».

 

 ويا له من ثمن كبير هائل يتقاضاه بائعو السرور لقاء سلعتهم الغالية التي يبيعونها للناس في يوم عيد، إن ثمنهم الذي يتقاضونه من جنس سلعتهم التي يبيعون، إنه إسعادهم في يوم الكرب العظيم، كما في الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه: «مَن لَقيَ أخاهُ المُسلِمَ بِما يُحِبّ لِيَسُرَّهُ بِذلك، سَرّهُ اللهُ عز وجل يومَ القيامة».

 

إن هناك عيدًا بطعم الألم قد يمر على كل مكلوم، والآلام يداويها السرور، فمن يبيع؟ وبأي ثمن؟

 

 إن مجتمعاتنا تلك التي تعيش الآن في صراعات متشابكة لفي أمسّ الحاجة إلى فهم ذلك المعنى العظيم، الذي ينادينا أن سارعوا إلى إسعاد الناس في يوم عيدهم، وتفريج الكرب عنهم وتخفيف آلامهم وإطعام جائعهم، وقضاء الدين عن مدينهم، وإهداء السرور لحزينهم..

 

 ويوم يتعلم الدعاة إلى الله معنى إدخال السرور على المسلم ويطبقون مقتضاه، سيضربون المثال الحي لمجتمع افتقدناه عبر سنين طويلة.