يسىء كثير من الآباء تعبيرهم عن مشاعرهم لأبنائهم إساءة بالغة تغلف سلوكياتهم تجاه أبنائهم بالقسوة والشدة والجفاء , ويبنون جدرا عالية بينهم وبين أبنائهم , تجعل سؤالا يتكرر على أذهان الأبناء يوميا يقول : أبي .. هل تكرهني ؟!
وقد كتبت كثير من المقالات والدراسات حول أسباب كراهية الأبناء لبعض الآباء , لكنني ههنا أتساءل سؤالا آخر , وهو حول مشاعر الإبن تجاه سلوكيات أبيه التي لا يستطيع فهمها , والتساؤل الدائر في قلوب بعض الابناء الذين يغلب عليهم طيبة القلب والرغبة في القرب إلى الوالدين لكنهم لايجدون إلى ذلك سبيلا
بالطبع فإن الآباء لا يكرهون أبناءهم , بل إن الابناء هم الأغلى والأحب من الدنيا في عيون الآباء وقلوبهم , مهما كان الاب صلبا ومهما كانت طبيعته جافة , إلا ما كان من شخصيات استثنائية تعاني من أمراض نفسية أو عقلية أو مثاله .
إذن , فماذا يحصل كي تطلع علينا مراكز أبحاث الأسرة في مختلف أنحاء العالم بدراسات تقول إن ثمة نسبة كبيرة من الابناء يشعرون بأن آباءهم يكرهونهم ؟! وبأن هناك نسبة كبيرة ايضا يرون ن علاقاتهم بآبائهم متوترة ونسبة أخرى يصفون تلك العلاقة بالفاشلة ؟!
لاحظوا أن القضية هنا ليست كراهية الإبن لأبيه , كلا , بل هي شعور الأبن أن اباه يكرهه , نتاجا لأفعال الاب واساليب معاملته مع أبنائه .
احببت أن أتحدث حول هذا الأمر بعد تنبيه تلقيته من إبني ذي الستة عشر عاما , قال لي : لماذا لا تكتب حول الىباء الذين يكرهون أبناءهم ؟! .. ولما ابديت استغرابي من كلماته قال لي , نعم هناك كثير من الابناء الآن يشعرون بهذه المشاعر , بل وينتظرون اليوم الذي يسافر ابوهم فيه أو ينشغل عنهم بحيث لا يواجهونه ولا يواجههم بنقده وتقريعه وتسفيهه لهم !
لقد تعودت أن أحترم رؤية أبنائي احتراما كثيرا , وأن اقدر شكواهم , وأن أضع ملاحظاتهم نصب عيني أثناء تعاملي معهم , لذا أوليت كلام ابني هذا اهتماما , وقد بدأت في القراءة حول الموضوع , وهل يعتبر الموضوع ظاهرة تربوية بالفعل , وقد هالتني النتائج العالمية الصادرة من مراكز البحوث المختلفة عبر العالم عامة وعبر بلادنا الإسلامية ثم العربية خاصة
نموذج :
وقد اخترت نتائج دراسة بحثية علمية كنموذج معبر عما نريد تمت في أحد الدول العربية على عينة عشوائية كبيرة من الآباء والأبناء قام بها الدكتور علي الرومي حول العلاقة بين الآباء والأبناء , كانت النتائج أن 33% منهم يرى أنها سيئة ومتوترة و30% يرى أنها متذبذبة، و26% يرى أنها جيدة، بينما 11% يرون أنها غير واضحة.
ويتضح من هذه النتيجة أن 74% من المشاركين من الأبناء يصفون العلاقة بين الآباء والأبناء بوصف لا يهيئ لتعامل مناسب .
وعند السؤال عن المتسبب الرئيسي في وصول العلاقة بين الآباء والأبناء إلى ما وصفت به أبدى 42% من الأبناء أن الآباء هم المتسببون، بينما 23% يرون أن الأبناء هم المتسببون، وهناك 19% يرون أن الآباء والأبناء معاً هم المتسببون، و15% يرون أن البيئة الاجتماعية هي المتسببة.
وقد سئل الأبناء عن سبب الاختلاف بين الآباء والأبناء , فذكروا عددا من الأسباب منها:
( اختلاف الزمن، وقلة معرفة كل منهم بالآخر، وافتقاد الصداقة بينهم، ووجود فجوة أو عدم تجانس بينهم، وغياب المصارحة بينهم، وعدم ثقة الأب بالابن، ورغبة الأب بتربية الابن حسب الطريقة التي تربى هو بها، ووجود أصدقاء سوء. وفي المقابل أجاب الآباء على هذا السؤال بتقديم عدد من الأسباب منها: ضعف التربية، وقلة الصداقة، وجهل الآباء، وغياب الحوار، وظروف الزمان وكثرة المتطلبات، وانشغال الآباء، وغياب التفاهم بينهم، والضغط على الأبناء )
وبسؤال الأبناء عن حقيقة وجود فجوة أجيال بين الآباء والأبناء أجاب 88% بنعم، بينما أجاب 12% بلا , أما الآباء فأجاب 100% منهم بنعم!
ومن الأسئلة التي تم توجيهها "ما المطلوب من الأب تجاه احتياجات ابنه؟"
فأشار الأبناء إلى عدد من الأمور، أهمها:
( يعطيني حريتي، يشد ويرخي، معاملة الابن كصديق، تلبية احتياجات الابن، المصارحة وعدم الغضب، التفاهم والحوار، النظر في الاحتياجات ومناقشتها مع الابن، تفهم رأي الابن إن كان صحيحاً، ودعم الابن من خلال تلك الاحتياجات، والصدر الرحب من قبل الأب. وبالمقابل يرى الآباء أن المطلوب من الأب أن يوفر احتياجات الابن الضرورية، وأن يراقبه، ويؤدبه، ويعمل على إرشاده وتوعيته، وينصحه، وأن يناقش معه احتياجاته، وأن يعوده على الاعتماد على النفس، ويزرع فيه الثقة بنفسه )
ووجه لهم سؤال حول ما الذي يفعله الأب الناجح في تعامله مع احتياجات ابنه ، فذكر الأبناء عدداً من الأمور أهمها:
( أنه غير من تفكيره القديم الذي عاش عليه فترة من عمره، وأنه متفهم لابنه ويصحح ما عند ابنه من مفاهيم خاطئة، ويلبي احتياجات الابن قبل أن يطلبها، ومتفهم لطلبات الابن، والثقة باختيارات الابن، ويضع نفسه مكان ابنه، والتعامل مع الابن كصديق، واستخدام الحكمة والموعظة الحسنة، وتلبية احتياجات الابن، وتحميل الابن المسئولية، والتفاهم مع الابن )
بينما الآباء ذكروا أن الأب الناجح يتسم بالأمور التالية :
( قدوة حسنة لأبناءه، يستخدم وسيلة الإقناع من خلال التفاهم والحوار، يوفر الاحتياجات الأساسية، عادل في تعامله مع أفراد أسرته، يزرع المحبة بينهم، ويربيهم على الإيمان والصلاح، ويزرع فيه الثقة بأنفسهم، ويعطيهم من وقته ما يكفي )
اسباب ومواقف :
كثير من الآباء يعتمد في علاقاته مع ابنائه على ايجابية متوقعة منهم تجاهه , ويظن أن مجرد كونه الاب , صاحب الفضائل المعروفة عندهم , يجعله ذلك في مكانة حسن الظن الكامل تجاه ابنائه , بل في أحيان كثيرة يستغرب الىباء من غضب ابنائهم منهم أو سوء ظنهم فيهم أو رؤيتهم المواقف السلبية على أنها مقصودة منهم !
الحقيقة أن غالب الأحيان لايكون الأبناء على هذا المستوى من النضج , بل إن الأبناء – كغيرهم من الناس – ينتظرون حسن المعاملة وطيب الحديث وخصوصية العلاقة , بل قد يزيدون حاجة عن غيرهم في ذلك , كونهم ينتظرون من الآباء كونهم الصدر الحاني عليهم والمهتم بهم والحريص عليهم .
لذلك فأستحب من الآباء تفسير سلوكياتهم الشديدة والقاسية التي ربما يضطرون إليها , كما أدعوهم جميعا لتفهيم أبنائهم مكانتهم لديهم ودى حبهم لهم وحرصهم عليهم ... الخ = يتبع