اقتحام الأزهر والرجل الرشيد
28 صفر 1435
الهيثم زعفان

كم يفتخر المرء بانتسابه للأزهر الشريف محراب العلم وملتقى العلماء وأحد أهم وأقدم وأعرق منابر الدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي؛ منه تخرج كبار علماء الأمة؛ وإليه ينتسب كثير من أهل الفضل من الدعاة إلى الله في كافة ربوع الأرض

صولات وجولات عبر التاريخ لم يكن الأزهر فيها عنواناً للعلم والتربية وفقط بل وعنواناً لمحاربة البدع ومدافعة أعداء الأمة.

عندما أراده الرافضة منبراً شيعياً قيض الله له صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله- فكان الأزهر الشريف منارة لأهل السنة في الشرق والغرب؛ وعندما دنسه نابليون بخيله انتفضت الأمة وعلماء الأزهر الشريف لنصرته، وصارت الانتفاضة وساماً على صدر الأزهر يتدارسه الأبناء جيل بعد جيل.

لم يغب يوماً في الماضي عن المشهد السياسي وأزمات الأمة ومحنها، فقد وقف علماؤه في وجه المستعمر وزبانيته، وكشف أبناؤه مخططات أعداء الأمة وحاسديها، فارتد كثير منها على أعقابها.

فحق له بهذا البعد العلمي والمدافعة الواعية، وهذه الحظوة المجتمعية في نفوس أبناء الأمة، أن يكون في مرمى الهدف الاستعماري ليتمنى المستعمر ذلك اليوم الذي يمحى فيه الأزهر من على وجه البسيطة، فخطط لتغريب مناهجه تارة، وخلخلة مكانته المجتمعية تارة أخرى، وتقييد ثمراته الشرعية قانونياً وتنظيمياً تارة ثالثة، والسيطرة على أوقافه ومقدراته المالية التي أوقفها أثرياء الأمة لصالح العلم الشرعي ورعاية طالب العلم الشرعي تارة رابعة، وكل ذلك باستخدام كافة الوسائل الاستعمارية المتاحة داخلياً وخارجياً.

لا ينكر أحد أن دائرة الأزمة الحالكة التي تعيشها مصر هذه الأيام قد وصلت إلى محراب الأزهر الشريف جامعاً وجامعة؛ حيث اقتحم محراب الأزهر من قبل قوات الأمن فسقط طلاب الأزهر-علماء ودعاة المستقبل- صرعى بنيران الأمن وقنابله؛ وحرقت مباني الأزهر، وشوهت صورة منتسبي الأزهر في الإعلام بطريقة جعلت البعض يسخط على منتسبي الأزهر الشريف.

أعلم أن حرمة الدم المسلم عظيمة وأن هدم الكعبة أهون على الله من سفك دم أمرئ مسلم بغير حق، من هذا المنطلق فإنني أراهن على علماء الأزهر الكبار والثقات الذين على أيديهم تربينا، ومن بحور علومهم نهلنا، وفي كثير من أفعالهم المنضبطة اقتدينا، هناك كثير منهم له قدره ومكانته بين أهل العلم نحبهم ونحترمهم، وهناك عدد غير قليل منهم شيخه العلم والسن- حفظهم الله وبارك في عمرهم وعلمهم-، كان إذا قال الكلمة في عهد رؤساء سابقين تصاغروا لهم، وأحسب أن هؤلاء إذا قالوا الآن قد يسمع لهم في داخل مصر وخارجها وعلى أعلى المستويات وأهمها، وأحسب أن فيهم مقومات الرجل الرشيد.

فتاريخهم وإرثهم العلمي والعملي ومواقفهم الشريفة في العقود الأخيرة محفورة في وجدان شباب الأمة وذاكرتها، أدعوهم بكل قوة أن يكونوا جميعاً هم "الرجل الرشيد" فيطرحون بعلمهم الشرعي ومكانتهم التي رفعهم الله إليها بفضله ما من شأنه حقن الدماء وصيانة الأعراض واستقرار البلاد، عسى للأزمة المصرية أن يفرجها الله على أيديهم، وللغمة أن تنكشف ببركة توكلهم على الله وإخلاصهم، رحمة بمصر وشعبها وطلابها ونسائها، وأزهرنا الشريف الذي تعلمنا فيه على أيدي علمائه الأجلاء معنى الرجولة وحقن الدماء والإخلاص في المبادرات ورعايتها والصبر عليها، فهل تكون أحداث الأزهر المؤسفة الأخيرة إيذاناً بظهور "الرجال الراشدين" من بين علماء الأزهر وشيوخه فتنكشف الغمة بحول الله وقدرته.