21 شوال 1437

السؤال

السلام عليكم.. أنا شاب أبلغ من العمر 23 سنة.. لدي مشكلة كبيرة مع أبي.. حيث تركني وأنا ما زلت في مستشفى الولادة بسبب مشاكل عائلية أثرت على علاقته بأمي إلى حد الطلاق.. فعشت محروما من الأبوة لمدة ثماني سنوات إلى أن أتى من بلاد عربية ليستقر نهائيا ببلده.. وكانت علاقته بي جيدة لكن تبدلت معاملته عندما اشتغل ممرضا.. فكانت معاملته لي قاسية بدل أن يعوض لي ولو جزءا من غيابه.. وهذا ولّد في نفسي الكراهية تجاهه؛ لأنه تعامل معي على أنني ولد غريب وفضل أخي في المعاملة وكان يهتم به كثيرا إلى اليوم.. حتى وصلت معه إلى درجة العراك فقد أحسست أنه يتعمد تلك المعاملة والتفضيل..

أجاب عنها:
خالد عبداللطيف

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. ومرحبا بك أخي بين إخوانك في موقع المسلم، وأصلح الله لك شأنك وأعانك..
مشكلتك أخي تتمثل في المعاملة القاسية من والدك وتفرقته بينك وبين أخيك وتفضيله عليك.. وذلك بعد وقوع الطلاق بينه وبين والدتك وبعد 8 سنوات من الغربة لم تتعرف عليه خلالها.
أخي الكريم
لا شك في أن الملابسات التي تحيط بقصتك شائكة وتتضمن العديد من الأسباب لضعف أو فتور العلاقة بينك وبين أبيك (غفر الله له وهداه).. فأساس الوضع العائلي انهار بالطلاق.. ثم ازدادت المشكلة عمقا بابتعاده التام عنك هذه السنوات.
ثم كان اللقاء بعد هذه السنوات لتجد منه معاملة جيدة في البداية (على حد وصفك).. وهذا غالبا متوقع من أب يرى ابنه لأول مرة منذ ولادته وبعد هذه السنين.
ثم تبدل الحال وتغيرت المعاملة وحدث التفضيل والتمييز بينك وبين أخيك (مع أنك لم توضح هل هذا الأخ من أم أخرى أم شقيقك؟)..
وأيا كان الأمر فلا شك في أن هذا التفضيل والتمييز في المعاملة يتنافي مع أمر الإسلام بالعدل بين الأولاد.. وأن مخالفة ذلك جور كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم وقال للصحابي حين سأله في شأن عطية يخص بها أحد أولاده: "لا تشهدني على جور"!
لكن على الجانب الآخر.. فإن سوء معاملتك لوالدك (وإن أساء إليك) هي صورة من العقوق لا يرضاها الله جل وعلا، ولا يبررها على الإطلاق سوء معاملته في المقابل، كيف والأمر يصل إلى العراك؟!
أخي الفاضل
وعلى الرغم من ذلك فإن سؤالك ومشاورتك في ذلك دليل على بذرة طيبة من الخير في نفسك الكريمة، وخشية من الله عز وجل، واستشعار منك لخلل في الأمر ألجأك إلى الاستشارة وطلب النصيحة.
فأول ما أوصيك أخي أن تلجأ إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع أن يصلح لك قلب أبيك ويعينك على بره؛ فالله جل وعلا هو مقلب القلوب ومصرفها، وهو لطيف لما يشاء.
ثم أوصيك ألا تجعل من نفسك ندا لأبيك؛ فحقه عليك فرض من العليم الخبير سبحانه، وقيامك بهذا الحق أحد أهم أسباب السعادة وصلاح شأنك دنيا وأخرى.
فاصبر أخي وصابر على ضبط نفسك تجاه والدك، واحتسب ما تتعرض له من عناء الجفاء أو التفريق في المعاملة، واعلم أن ذلك الصبر من جانبك لن يضيع عند الله، وسيجازيك عليه بفضله. ولا تستبعد كذلك أن تكون مقابلة الإساءة بالإحسان والبر سببا في تأثر والدك وتحسين معاملته لك (ولو بعد حين)!
كما أوصيك أخي أن تتجنب أسباب الاحتكاك والجدال مع والدك؛ ترغيما للشيطان وكيده في التحريش بينكما؛ وحتى لا يقع بينكما ما لا تحمد عقباه!
وخلاصة الأمر أخي أنك بين حسنيين:
الفضل العظيم والرضا من المولى الجليل جزاء برك وإحسانك وصبرك الجميل على ما تلقى من والدك.
وتأثر والدك مع الوقت ببرك وصبرك عليه، ومن ثم تبدّل حاله إلى ما يسرك.. وهو يرى منك مقابلة إساءته لك بالإحسان منك.
وفقك الله ورعاك وفرّج همك، وأصلح لك ولوالدك شأنكما وذات بينكما.