متى الراحة ؟!
22 رجب 1435
د. خالد رُوشه

الأزمة الحقيقية التي يمر بها اصحاب الرسالات هي خلودهم للراحة , وغفلتهم عن رسالتهم ومسئوليتهم , وبحثهم عما يشغلهم بعيدا عنها .
أزمتهم الحقيقية هي سعيهم وراء المغريات والملهيات من متاع الحياة , فتثقل بهم حياتهم , وتزيد أوزان أجسادهم , فلا يستطيعون الركض في ميادين المسابقة ... وهل رايت يوما خيلا سمينا يسابق ؟!
إن ما وصفته في السطور السابقة لهو الثلمة التي ثقبت جدران الدعاة إلى الله , وهي سبب السوس الذي نخر في جسدهم , فزاد وكثر وه لا يلقون له بالا , حتى فوجئوا بأجسادهم وأفكارهم قد أصابتها الهشاشة ونخرها السوس من الداخل ..!
إن حياة أصحاب الرسالات والدعوات ليست ملكا لهم , بل إنها مسئولية تحيطهم , وواجب ينتظرهم في كل وقت هم فيه قادرون على أداء أمانتهم في نشر الهدى والإيمان .
إنني أتحدث عن عاطفة جياشة , لا ترتبط بشأن دنيوي مباح , بل برغبة في كسب الثواب والأجر من الله سبحانه في كل وقت وحين , تلك العاطفة مصدرها القلب العامر بالإيمان , والمضاء بنور التوحيد , والنابض بمعاني الإخلاص والاتباع والتجرد .
إن الدقائق والساعات والأيام المتاحة للدعاة إلى الله في أعمارهم اقصر كثيرا من أن تفي بغرض مسئوليتهم وواجباتهم في إبلاغ الهدى وتعليم الخير وأداء الأمانة .
سئل ابن الجوزي يوما : هل يجوز لي أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي ؟1 فقال : عند نفسك من الغفلة ما يكفيها , ونقل الماوردي قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :" الراحة للرجال غفلة " , وقال الشافعي : " طلب الراحة في الدنيا لا يصح لأهل المروءات .."
ولعل سؤالا يتردد على ألسنة القراء لمثل تلك الكلمات الداعيات إلى البذل والعمل والعطاء لله , فيقول : " وفي ماذا اشغل نفسي , وبماذا أظل هكذا متوقدا , وما الداعي إلى كل هذا الوصف الذي تصفونه للداعية كأنه ماكينة لا تهدأ ؟! "
والإجابة سهلة ومعلومة , فالدعاة إلى الله والعلماء هم ملح الأرض الذي يبقيها ناضجة فلا تفسد و وهم وقود همة هذا الدين , وهم مصابيح الهدى المضيئة للناس سبلهم في دياجير الظلام , وهم قادتها في مدلهمات الفتن , فعليهم الدور الأكبر والمسئولية الأثقل في كل ساعة من حياتهم .
فعيشهم يلفه الزهد والتقلل في الزخرف والمتاع , وقلوبهم عامرة بالإيمان , وألسنتهم لاهجة بذكر الله في كل وقت وحين , أملهم نشر الخير , وتبليغ العلم , وهداية الخلق , وجهدهم مبذول في معونة المحتاج , ومساعدة القاصر , وإغاثة الملهوف , وسعادتهم في نشر البسمة على الوجوه الحزينة .
يفتحون أبواب الأمل أمام العصاة ليعودوا إلى طريق التوبة والعودة إلى الله , ويربطون قلوب الناس بربهم , ويعلمونهم التوكل عليه سبحانه , فيرزقهم رزقا حسنا مباركا فيه , ويقومون سبيل الناس حتى يسيروا في طريق الصالحين الكبار من انبياء الله عليهم السلام وأتباعهم بإحسان , فيزيلون الجهل , ويطردون الشيطان , ويحاربون اليأس والقنوط , ويبثون التفاؤل , ويحيون موات النفوس بتعليمها أمر الله سبحانه ومواضع مرضاته , ويعينونها على التطهر من الدنس والخبث والفسوق .
يصبرون على الناس ويعلمونهم التصبر , ويتلطفون معهم أثناء رحلتهم إلى الاستقامة , ويرفقون بهم في كل خطوة من خطوات الطريق , يتحملون الأذى منهم بينما هم يدعون لهم ليل نهار أن يهديهم الله سواء السبيل .