كيف نفهم غضب النبي من خباب ؟
17 شعبان 1435
يحيى البوليني

لم يكن هناك من هو أرحم على المسلمين من البشر من نبينا صلى الله عليه وسلم , وصدق فيه قول ربنا سبحانه " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " , وقال أيضا " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ " .

 

وهناك موقف في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وقف فيه الكثيرون يتهمون عقولهم وأفهامهم ثم يجتهدون للوصول لحكمة النبي صلى الله وسلم ورحمته بالأمة فيه , وهو الموقف الذي كان مع الصحابي الجليل خباب بن الأرت رضي الله عنه ومعه جمع من الصحابة حينما ذهبوا يشتكون للنبي الكريم ما حل بهم من عنت ومشقة وعذاب على أيدي قريش ويطلبون منه نصرتهم والدعاء لهم .

 

فيروي البخاري عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»[1]

 

وفي رواية هامة ومشهورة فيها زيادة تقضي باحمرار وجه النبي صلى الله عليه وسلم , " .. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لَنَا، وَاسْتَنْصِرْهُ، قَالَ: فَاحْمَرَّ لَوْنُهُ أَوْ تَغَيَّرَ، فَقَالَ .. الحديث" [2].

 

وهنا نحاول أن نصل للحكمة العظيمة من غضب النبي صلى الله عليه وسلم في الموقف الذي وقفت أذهان العلماء جميعا اجلالا له وتفكرا ,  وانتظرت أن يكون رد فعله غير ذلك نظرا لرحمة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الواسعة والتي تجلت في العديد من المواقف المشابهة .

 

وكانت اغلب الترجيحات لسبب غضب النبي صلى الله عليه وسلم هو ما لمحه من التعجل على الصحابة فأوصاهم بالصبر وضرب لهم الأمثلة على صبر الأولين وبشرهم بتمام الأمر وامتداد رقعة أهل الإسلام حتى تشمل الدول المحيطة بهم .

 

ولكن هذا السبب – مع وجاهته ووجود شواهد له في الحديث – لا يكفي وحده لغضب النبي صلى الله عليه وسلم واحمرار وجهه وجلوسه بعد توسده البردة وكل هذه من علامات الغضب .

 

فالنبي صلى الله عليه وسلم أعظم المربين وأكثرهم تفهما للنفس البشرية , وأعمقهم إدراكا لحقيقة تفاوت قدرات البشر على تحمل الأذى والبلاء , والمتأمل لسيره يدرك تماما أنه كان يعذر ويدعم ويساند كل من تضعف نفسه على تحمل البلاء الشديد , فرخص لعمار أن يقول كلمة الكفر إذا اشتد به البلاء ولم يتحمله , فعن مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ ثُمَّ تَرَكُوهُ، فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا وَرَاءَكَ؟» قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ قَالَ: «كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟» قَالَ: مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ قَالَ: «إِنْ عَادُوا فَعُدْ» [3]

 

ومن المعلوم أن غضب النبي صلى الله عليه وسلم كان معلوم الأسباب لصحابته الكرام , فلم يكن ينطق عن الهوى , فما كان يغضب لنفسه قط  وما كان ينتصر لها بل كان غضبه لله وحينما تنتهك حرماته سبحانه كما روت عائشة -رضي الله عنها- قالت: "والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله عز وجل، فينتقم لله عز وجل" [4]

 

وكان السبب الثاني في غضب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعرض المنهج الإسلامي لبادرة من بوادر ظهور خلل , فكان يغضب لتقويمه ولإشعار المسلمين بخطورة القضية لوأدها في مهدها .

 

فغضب النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يطيل الصلاة حتى يفتن الناس وفيه بادرة لظهور تنطع في الأمة , فعن أبي مسعود رضي الله عنه، قال: ((أتى رجل النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قطُّ أشد غضبًا في موعظة منه يومئذ، قال: فقال يا أيُّها الناس، إنَّ منكم منفِّرين، فأيُّكم ما صلى بالنَّاس فليتجوز فإنَّ فيهم المريض، والكبير، وذا الحاجة)) [5]

 

وغضب النبي صلى الله عليه وسلم حينما حاول بعض الناس ترك الرخص التي رخصها الله لهم , فعن عائشة رضي الله عنها ((أنَّها قالت: رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر، فتنزَّه عنه ناس من النَّاس، فبلغ ذلك النَّبي صلى الله عليه وسلم، فغضب حتَّى بان الغَضَب في وجهه، ثمَّ قال: ما بال أقوام يرغبون عمَّا رخِّص لي فيه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدَّهم له خشيةً)) [6].

 

وغضب صلى الله عليه وسلم بسبب ظهور بادرة من بوادر النزاع والتفرقة بين الأمة , فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى احمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان فقال: (أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه) [7] .

 

وغضب على عمر بن الخطاب حينما وجد في يده ورقات من التوراة , فأتى عمر بن الخطاب النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه فغضب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أمتهوكون فيها يا بن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني" [8]

 

فبعد هذه الأحاديث التي بينت غضب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان ينطلق من بادرة وجود خلل منهجي أو شرعي في الأمة الإسلامية , فكان يأتي غضب النبي مشعرا بأهمية وخطورة هذه الأدواء التي تهلك الأمم , ولو تطرق إليها باحث لوجد أن نشأة الفرق الهالكة في الإسلام كانت نتيجة عدم امتثالهم لهذه التربية النبوية ولتركهم هذه النصائح والتوجيهات التي تركها النبي الكريم الرحيم بأمته .

 

ونعود إلى حديث خباب رضي الله عنه لنبحث عن تصور أو فهم لغضب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف مع عدم إهمال قول وترجيح العلماء الشراح للأحاديث النبوية الذين قالوا بان سبب غضبه كان تعجل الصحابة الذي كان موجودا بالفعل لان النبي صلى الله عليه وسلم قال في ختام الحديث " وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ " .

 

فتعجل الصحابة وأمره صلى الله عليه وسلم لهم بالصبر أمر معتبر في الحديث ولا إنكار له , ولكن التساؤل عن الغضب الذي لم يكن يصدر من رسول الله إلا حينما تنتهك محارم الله أو تظهر بادرة من خلل فكري أو منهجي في الإسلام يستوجب منه التوقف عنده وتنبيه الأمة .

 

وبالطبع لم يكن في الموقف ههنا انتهاك لمحارم الله في شئ , ولكن كان فيه بادرة من ظهور خلل منهجي عن مفهوم العبادة وعن تصور شكل وطبيعة النصر وحصره في إطار مخالف لما عليه الثوابت الإسلامية .

 

 فمعلوم أن غاية مهمة المؤمن في الحياة الدنيا هي التعبد لله سبحانه تحقيقا للقضاء الشرعي بقوله سبحانه " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " , وأن مهمة المسلم في الدنيا بعمارتها والعمل على إقامة دين الله في الأرض والسعي لتعبيد الناس لله سبحانه هو جزء من رسالته

 

 ومعلوم أيضا أن هذه العبادة لا تنتهي أبدا إلا بنهاية عمر الإنسان كما قال سبحانه " وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " , والمعنى: اعبد يا محمد ربك حتى يأتيك الموت الذي أنت موقن به، وقد نقل الطبري في تفسيره عن كثير من السلف تأويلهم لليقين في هذه الآيات بالموت , وقال القرطبي: والمراد استمرار العبادة مدة حياته، كما قال العبد الصالح: وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً .

 

ولم يكن معيار نجاح المسلم في مهمته التعبدية يوما بتحصيل النتائج وتحقيق النصر أو شيء من ذلك , بل نجاحه يتمثل في استمراره على الطاعة وتمسكه بها وثباته عليها بلا أي تبديل ولا زيغ حتى آخر لحظة في حياته , وذلك على المستوى الفردي مع عمله وسعيه على تعبيد الأرض لله سبحانه بالقدرة التي يمتلكها ويبذل وسعه فيها حتى يأتيه الموت على ذلك , أما على ضمان النتائج أو تحققها فلا تمثل إطلاقا معيارا لنجاحه أو لفشله في مهمته .

 

ولقد مدح الله عباده الذين فهموا الغاية من وجودهم في الحياة فمات بعضهم شهيدا قبل أن يرى نتائجها , فأثنى الله عليهم بتحقيقهم المراد من وجودهم , فقال سبحانه : " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا " , فاعتبر نجاحهم هو تمسكهم بالمنهج والثبات عليه حتى اللحظة الأخيرة دون تبديل ولا تحريف ولا زيغ , فاستحق من مات منهم الإشادة بالفوز , وبُشر من لم يمت بعد بثناء الله عليه مادام مستمسكا بنفس منهجهم .

 

فعلى مستوى النتائج المادية أو الظاهرية , ماذا حقق شهداء أحد الذين نزلت فيهم هذه الآية الكريمة في الثناء عليهم من نتائج مادية ؟ لم تقم دولة إسلامية بعد ولم ينتصر الحق ولم تعل حتى لحظتها راية الإسلام على الأرض ولم يدحر الباطل ولم تتحقق نتائج ملموسة ولم تفتح مكة ولم تلح أية ملامح لانتصار الإسلام  , ورغم هذا كان من بين شهداء أحد سيد الشهداء حمزة وعبد الله بن حرام الذي كلمه الله كفاحا بغير حجاب ومصعب بن عمير وغيرهم من أفضل شهداء الإسلام , - وغني عن التفصيل بيان فضل شهداء أحد , وغني عن البيان أيضا فضيلة حادثة أحد نفسها ودروسها العظيمة وأثرها الكبير في المسيرة -

 

ولا تقاس نجاحات المؤمنين في هذه الحياة الدنيا إلا بالمعيار الذي سبق وهو الثبات على الحق حتى الموت والسعي الجاد لنصرة دين الله وبذل النفس والنفيس في سبيله , وهذا ما نفهمه من انتصار غلام الأخدود مع انه قد قتل , ونفهم انتصار المؤمنين الذين كانوا معه رغم أن الحاكم الظالم قد خد لهم الأخاديد وأجراها بدمائهم , وهذا ما يمكننا فهمه واستشعاره أيضا من انتصار سحرة فرعون الذي أصبحوا كفار سحرة وأمسوا شهداء بررة مقطوعي الأيدي والأرجل من خلاف ومصلبين على جذوع النخل , فانتصروا بإيمانهم على ظالمهم .

 

وهذا هو مفهوم النصر عن الأنبياء الكرام , فالنصر كل النصر في أن يظل النبي الكريم – عليهم جميعا الصلاة والسلام – على دعوته لقومه مهما طال به الزمن متحملا في الله كل البلاءات حتى يتوفاه الله , ونحن كمسلمين مطالبون بألا نفضل نبيا على آخر بأية معايرر وخاصة المعايير المادية المتمثلة في عدد الأتباع , فيجمل لنا الرسول صلى الله عليه وسلم سيرة الأنبياء في هذا المشهد إذ يقول عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما " لَمَّا أُسْرِىَ بِالنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَمُرُّ بِالنَّبِىِّ وَالنَّبِيِّينِ وَمَعَهُمُ الْقَوْمُ وَالنَّبِىِّ وَالنَّبِيِّينِ وَمَعَهُمُ الرَّهْطُ وَالنَّبِىِّ وَالنَّبِيِّينِ وَلَيْسَ مَعَهُمْ أَحَدٌ .." [9] , فيتبين من هذا أن هناك أنبياء كثيرين لم تكن لدعوتهم ثمرة مادية أبدا , فلم يتبعهم أحد ولم يؤمن بهم احد , ويأتون يوم العرض وليس معهم أحد , وما ينقص ذلك من مكانتهم ولا من قدرهم .

 

ومن هنا يتبين أنه ربما يكون غضب النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتسبب الاضطهاد والتعذيب واستبطاء النصر من ظهور ارتباط غير صحيح عند أتباعه  بأن مهمتهم الأولى هي تحقيق النصر المادي للإسلام , وان يعتبر كل منهم أن تأخر النصر نوع من الفشل , وينسى كل منهم أن النصر الحقيقي والمطلوب مرتبط فقط بالمسئولية الفردية الذاتية بالثبات على دين الله والسعي – السعي وليس تحقيق النتائج – والسعي بالعمل على نصرة الإسلام حتى يأتي الموت وهم على ذلك , وعلى ألا يشغل المسلمون أنفسهم بالنصر المادي وينشغلوا به عن النصر الحقيقي والنجاح الحقيقي في المهمة التي كلف بها المسلم في حياته .

 

أما عن النصر المادي , فلله عز وجل سنن لا تتخلف وتقدير محكم , فلا يعجل ربنا سبحانه بعجلة أي منا , وهذا النصر سيأتي لا محالة مصحوبا بالعمل الجاد من المؤمنين كما وعدهم الله " كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " وقال سبحانه " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " , وبشر النبي الكريم خبابا رضي الله عنه وتحققت بشارته كما قال .

 

إن تسرب هذا المفهوم وشيوعه في الناس بربط النجاح في المهمة بتحقيق النتائج المادية يزيد من هم وغم المؤمنين – في أحوال وفي مواطن كثيرة في العالم الإسلامي - إذ يرون علو الباطل في الأرض ويزيدهم عناء ومشقة وإحباطا إذ يرون أن انتصار الإسلام بعيد المنال وانه لا سبيل مطلقا لعودة الناس إلى الدين , فربما ينقلب المسلم على عقبيه وربما يتسرب اليأس والخور إلى نفسه , وربما تتحول الحياة الإيمانية إلى حياة مادية تهتم بالعدد والنتائج المادية فحسب .

 

فهذا انحراف خطير في الغاية من وجود المسلم في الحياة , ولعل هذا ما أغضب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الدرجة من الغضب , فالخشية على الأمة وعلى تصوراتها ومعاييرها وأفكارها التي تنبع من عقائدها هي أكثر ما كان يغضب النبي صلى الله عليه وسلم .

 

هذا ولا ينبغي أن يجزم مسلم بأنه يمتلك الفهم عن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أسباب تصرفاته ما لم يصرح به النبي صلى الله عليه وسلم أو ينقله احد صحابته الذين سمعوا منه , وستبقى كل هذه مجرد اجتهادات لمحاولة فهم واستيعاب وتعلم الدروس من سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله هاديا للمسلمين ورحمة للعالمين .
 
 
 -----------------------------------------
 

[1] صحيح البخاري 9/20 برقم 6943
[2] هذه الرواية بالزيادة رواها  الإمام أحمد ( 21057) وأبو داود (2649) ، والنسائي في "الكبرى" (5893) ، وأبو يعلى (7213) ، والطبراني (3639) و (3639/2) و (3640) و (3646) و (3647) ، وأبو نعيم في "الحلية" 1/144، والبيهقي في "السنن" 9/5، وفي "الدلائل" 6/315، وابن الأثير في "أسد الغابة" 2/115
[3] رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحن وقال الذهبي هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ "وقال ابن حجر في الفتح في (كِتَابُ الْإِكْرَاهِ) : "هُوَ مُرْسَلٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ "
[4] رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح.
[5] رواه البخاري (6110)، ومسلم (466).
[6] رواه مسلم (2356).
[7] رواه الترمذي وحسنه الألباني.
[8] حديث صحيح رواه أحمد (3/387) عن جابر بن عبد الله، وحسنه الألباني في الإرواء (1589).
[9] البخاري 1/163(5705) وأحمد 1/271(2448) و\"مسلم\" 1/137(447) والتِّرْمِذِيّ\" 2446 و\"النَّسائي\" في \"الكبرى\" 7560 .