13 ذو القعدة 1437

السؤال

زوجتي من عائلة محترمة وهي أيضا كذلك، وشخصيتها طيبة وتراعي مشاعر الآخرين.. ولكنها مؤخراً أفصحت لي عن أفكارها وأحياناً تقول لي إن الله ظالم.. وأحياناً أخرى تنكر وجوده.. وكثيراً ما تنقد الدين الإسلامي وتقارنه بالمسيحية. أنا شخص لست فقيهاً في أمور الدين ولكني على يقين وإيمان بالله، والحمد لله أصلي وأذكر الله كثيراً. أنا أب لطفلين من زوجتي وكنت أعتقد أن الجهاد في توعية أولادي بربهم ودينهم هو أهم ما يشغل بالي، والآن أنا أواجه شخصاً راشداً وعاقلاً في أبسط أمور الدين وهي أن الله موجود، وليس ظالماً.. أفيدوني ماذا أفعل؟

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الأستاذ السائل: إن شكواك من أشد الشكاوى التي يمكن أن تمر بإنسان في الحياة الزوجية، وأصعبها وأمرها.
فالأصل في البيت الصالح أن تكون الزوجة فيه هي مصدر الثبات واليقين والتربية، إذ تقضي من الوقت أكثر مما يقضي الرجل وتغرس في أبنائها العقائد الصحيحة والأخلاقيات السليمة، فإذا فسد النبع فسد ما يتربى فيه في غالب الأحيان..
ومشكلة الإلحاد مشكلة صارت تكبر وتنتشر في مجتمعاتنا نتيجة بعدنا عن العقيدة الصحيحة الصافية النقية، ونتيجة غوص شبابنا في فلاسف الغربيين، ونتيجة انتشار أفكار الليبرالية والعلمانية التي تنبذ التدين.
وبخصوص مشكلتك فإنك إن كنت قد تزوجت زوجتك وهي مسلمة موقنة فزواجكما صحيح ابتداء، لكن لو طرأ عليها الإلحاد كما تقول وتأكدت من ذلك فعليك ابتداء أن تناقشها في حضور أهل علم بدين الله سبحانه وشهود من أهلها حتى لا يكون ما تظنه من الإلحاد مجرد وهم منك أو سوء فهم أو هلاوس منها أو طرح لشبهة وقعت في قلبها وهي تريد السؤال فيها وتريد إزالة شكوكها – خصوصا وأنك تقول أنك لست على علم بأمور دينك - فإن أقرت بإلحادها أو ثبت ذلك بشهادة وقول أهل العلم، فلا طريق لك سوى مفارقتها فورا فإن عقدها يبطل على الفور من كفرها وإلحادها، فلا زواج بين مؤمن ومرتدة.
ولا شك أيها السائل أن مقولتها "إن الله ظالم" هي مقولة كفرية، وأن إنكارها وجود الله سبحانه هو كفر صريح وإلحاد صريح، لكن لا تجعل هذا الحكم لك أنت بل لأهل العلم بذلك.
قال سبحانه: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُم} [البقرة:221]. وقوله تعالى: {ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10].
وأما الشق التربوي، فأنت تقول إنها من عائلة محترمة، وأن شخصيتها حسنة، وغير ذلك مما ذكرت، فأنصحك أن تجعل مشكلتها هي أهم مشكلة في حياتك في تلك الأيام القادمات حتى تحلها، ولتجلس مع عائلتها وتصل إلى موقف واضح منها بهذا الخصوص وقرار واضح من أهل العلم بخصوصها.
كذلك فيما يخص أبناءك، فعليك أن تخطط لهم حياتهم الباقية عند انفصالكما، وأن ترعاهما برعايتك وألا تتركهما لامرأة ملحدة تسيء تربيتهما، وتبث الشك في قلوبهما.
ولمزيد إيضاح لك فهذه توجيهات بعض أهل العلم في مشكلتك:
- أولاً: اعرف إشكالات زوجتك وأسباب الشكوك التي تنتابها، شخصها تشخيصاً دقيقاً، وأَبِد في هذه المدة بلطف قلقك على مستقبلك ومستقبلها.
- ثانياً: ابحث على أجوبة سديدة لها، ولا تكتفِ بما توصلت إليه حتى تعرضه على شخص متمكن من العلم وخطاب الملحدين.
- ثالثاً: بعد ذلك صارح زوجتك بأن هذه المشكلة من أكبر المشاكل بالنسبة لك، وأنه يجب أن تصل معها فيها إلى حل، ومن المناسب أن تخبرها بأن معتقدك الذي يجب أن تحترمه يوجب عليك مفارقتها في حال عدم الاتفاق.
- رابعاً: ناقشها لإصلاح فكرها وإرجاع فطرتها، فإن وجدتها قد تشربت أفكاراً فلسفية، جراء دراسة أو متابعة لبعض أفكار الملاحدة المعاصرين أو المتقدمين، فأنصحك أن تستعين في نقاشك معها بداعية متمكن يميز الفروق بين المدارس الإلحادية وطرق مناقشتها.
- خامساً: بعد التصريح لها بما سبق ومناقشتها، إن أصرت على الإلحاد وأعلنت به فاعتزلها في الفراش، واستمر على ترفقك بها في النصح والنقاش، فإن رجعت إلى رشدها فهي زوجك والحمد لله، وإن أصرت على كفرها مدة انقضاء عدتها فقد بانت – يعني طلقت – وإن شعرت بأنها تخفي شكوكا فعاملها بظاهرها واجتهد في إصلاح باطنها.
أخيراً: سل الله لها الهداية واجتهد في السؤال، وإن كنت قد فرطت في سابق عهدك فتدارك ما بقي واحسم أسبابه واحرص على صيانة بقية أهلك، فأنت مكلف بهذا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..} [التحريم:6].
والله يصلح حالك ويهدي زوجتك.