السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا امرأة متزوجة منذ أكثر من عام تقريبا برجل كان يشرب الخمر، إلا أنه حسب ما عرف عنه إخوتي قد تاب منذ أكثر من عام قبل زواجنا، فصليت صلاة الاستخارة أربع مرات، وفي كل مرة كنت أشعر بالراحة، وتيسرت لي كل أمور زواجي به..
وبعد زواجنا وجدته رجلاً طيباً إلى أبعد الحدود، ولكنني تفاجأت بفصله من عمله قبل موعد الزواج بشهر. وخلال الشهور الأولى من زواجنا وعدني بأنه سيعود إلى عمله قريبا، وأن هناك من سيتوسط لإعادته، لكن كلامه كان كله كذباً، فقد فُصِل من عمله بشكل نهائي..
وبعد شهرين تقريبا طرأت عليه تغيُّرات، فبدأ يتأخر بالليل إلى ساعات الفجر تقريبا، وعندما يعود إلى البيت يتجنبني ولا يتحدث معي، واستمر على حاله، إلى أن اكتشفت أنه عاد لشرب الخمر مجدداً، على فترات متباعدة، فحاولت نصحه ومنعه قدر الإمكان لكن دون جدوى. فأخبرت أهلي وتحدثوا معه، فتوقف عن الشرب على حد علمي..
وكنت في كل مرة أكتشف أشياء سيئة، مثل استدانته لمبالغ كبيرة من المال وصرفها دون علمي أين صرفها، ودون أن ينفق علي منها، وفي كل مرة كان يكذب عليَّ ويؤلف أعذاراً واهية، حتى وصل به الحال إلى أن يطلب مني أن أبيع أشيائي ليسدد ديونه..
إضافة إلى إهماله لي، حتى في حالات مرضي، أهلي هم من يتكفلون بعلاجي..
ومع كثرة المشاكل بيننا صرت أفكر في طلب الطلاق منه على الرغم من حبه الظاهر لي وطيبته، خاصة وأنني لم أحمل منه، ولأنني تعبت من حياتي مع رجل غير مسؤول وعاطل عن العمل، ورافض لكل فرص العمل المتاحة له دون سبب واضح..
فبالله عليكم أشيروا عليّ ماذا أفعل؟!
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أختي السائلة الكريمة، بداية أقول:
إن الخمر أم الخبائث كما يقال، وقد لعن الله فيها عشرا، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها." أخرجه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع
ومشكلة إدمان الخمر والمخدرات صارت ظاهرة خطيرة تهدد كيان الأسر والعلاقات الزوجية، وإنه لأمر محزنٌ حقاً أن تعاني مجتمعاتنا من حالات تفسخ وانهيار البيوت بسبب الإدمان..
ومن أشد المحن التي تتعرض لها المرأة، أن تجد حياتها في كفة، وزوجها في كفة أخرى، وكل تفكيره مخدَّر ولا يعبأ بتحمل ما عليه من حقوق وواجبات اتجاه بيته وأسرته، والزوجة في مثل هذه الحالة يكون حملها ثقيلاً، فتفقد الأمان وتبدأ تشعر بالخوف على نفسها وعلى مستقبل الأبناء الذين ستنجبهم، لأنهم بحاجة إلى رعايته والقيام بتربيتهم تربية صحيحة..
والدين الحنيف شرع لنا مقاصد أساسية في حياتنا هي الحفاظ على الدين والعقل والعرض والنفس والمال، فما ضر شيئا منها فقد عارض مقاصد التشريع، والزواج إنما شرع للمصالح الناتجة عنه فإذا كان سببا في الإضرار بدين الزوجة فهو ضرر ينبغي النظر في ازالته بعد استيفاء الطرائق الممكنة في الإصلاح -
ومن الحلول التي تساعدك في حل مشكلتك ما يلي:
أولا: لا تتعجَّلي بطلب الطلاق، خاصة وأن زوجك كما وصفته في رسالتك - رجل طيب جدا ويحبك بكل إخلاص - فلعله يتغير لو أنت قدمت له فُرَصًا أخرى، وكررت محاولاتك، وساندْتِه نفسيا ومعنويا، واتَّخَذْتِ كافَّة الوسائل والتدابير اللاَّزمة لحلِّ مشاكله..
ثانيا: اسْتخيري الله تعالى في أمرك، واسْأَليه في دعائك أن يلهمك السداد والرَّشاد، وأن يختار لك ما فيه الخير، وأكْثِري من الدُّعاء لزوجك بالهداية والاستقامة، وأنْ يَصرف عنه إدمانَ شرب الخمر، وأن يحفظه من أصدقاء السُّوء، وأن يرزقه عملا طيبا ورزقا حلالا، فإنَّ للدعاء أثرًا عجيبًا، وتذكَّري قول الحق سبحانه: ﴿قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ غافر: 60
﴿أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ النمل: 62
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ البقرة: 186
ثالثا: تقرّبي إلى الله تعالى بالطاعات وأكثري من الاستغفار فإن له أثرا عظيما في إصلاح الأحوال كما أخبرنا سبحانه فقال: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ الأنبياء: 90
رابعا: أَصْلِحي ما بينك وبين خالقِك ليُصْلِح ما بينك وما بين زوجك، وثقي بأن جزاء الطاعة حياة مطمئنة وسعيدة، وحياة هادئة ومستقرة، إنْجازًا لوعد الله عز وجل لعباده المؤمنين ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ النحل:97.
واعْلمي بأنَّ طريق خلاصِك من تعاستِك، وسبيل صلاحِ أمورِك وتبدّل أحوالِك من العسر إلى اليسر، أن تحفظي الله تعالى فيل سرِّك وعلانيَّتِك، وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك)..
خامسا: اسْتشيري في مشكلتك من تثقين بهم من أقاربك وأفراد أسرتك، ومن تتوسَّمين فيهم الاستقامة والصلاح، والسَّداد في الرأي، فمثل هؤلاء لديهم من الحكمة والتجربة ما تدعوهم لتقديم النصيحة والموعظة الحسنة، وإرشادك لما فيه الخير..
سادسا: تحتاجين إلى مصارحة ومكاشفة مع زوجك في موقفه وموقفه.
سابعاً: تجنَّبي كلَّ ما يجلب النُّفرة والشِّقاق والشِّجار بينكما، وادْفعي الأذى الحاصِل بالتي هي أحسن، واسْلُكي معه مسْلكَ الكرام وأهل الإحسان الذين يَبْذُلون بَسخاء وعطاء ليس له نظير، وليس له مقابل أو عوض..
ثامناً: ولْتكُن غايتك - أيتها الكريمة - التقرُّب إليه والسعي لإرضائه، والصَّبر الجميل على ما تجِدينه في عشْرتِه من مشقَّة وتعب، وملل وضجر..
تاسعاً: اجْتهدي في إقناع زوجك بضرورة معالجة نفسه من شرب الخمر، بزيارة إحدى المستشفيات أو المراكز المختصة بعلاج حالات الإدمان، وبيِّني له الآثار الخطيرة للشُّرب على صحته النفسية والجسدية، وعلى استقراره النفسي والأسري، وعلى نشاطاته ووظائفه، ولعل الله سبحانه يمنُّ عليه بالشفاء ويتقبل منك توجُّهَك إليه بالدعاء، وتوسُّلك إليه بصالح الأعمال..
عاشراً: اجتهدي قدر استطاعتك في إِبعادِه عن رفقة السوء، لأن احتكاكه بهم يؤجج في نفسه الرغبة في الإقبال على الشرب وإدمانِ السهر، واستئناس الراحة والنوم..
وفي الختام أنصحك أختي الكريمة:
بأن تستعيني بالله تعالى وتجتهدي في إصلاح زوجك، وتوثيق صِلتِك بالله تعالى والتقَرُّب إليه، وطاعتِه، والإكثار من ذِكْرِه..
ويبقى الحل الأخير بعد فشل كل محاولاتك في الإصلاح، أن تجعلي حَكَماً من أهلك أو حكماً من أهله ليفصل بينكما بالحق، ويسدد ويُقارِب، فإذا فشل الجميع في تحقيق الإصلاح بعد تكرار المحاولات، فقد قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً﴾ النساء: 130، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ الطلاق:2-3
أسأل الله العلي القدير أن يهدي زوجك وأن يصرف عنه السوء ورفقة السوء، وأن يصلحه، وأن يقر عينك بالذرية الصالحة، وكتب الله لكِ ولزوجك السعادة، وجمع شملكما على المودة والرحمة إنه جواد كريم...