22 رجب 1436

السؤال

أقسم لكم بالله.. لقد مللت.. فأخي سكير ومدخن ومفحط! وقد ساءت حالتي النفسية.. وأعاني مع أصحاب المدرسة وأقاربي وجيراني.. وأهلي كلما شاهدوني يشتكون أني لا أخرج من البيت حتى صاروا يشبّهونني بالنساء!! مع أني - والحمد لله - كاره لكل شيء حرام، ولكن بسبب كلامهم هذا يوسوس الشيطان لي أن أدخن.. فقط لأقهرهم وأجعلهم يتمنون بقائي بالبيت!
ومن جهة أخي.. لا أدري ماذا أفعل؟! هل أخبر أهلي أنه يسكر؟ حيث إنه يأتي بالخمر للبيت إذا سافر أبي.. وعندي صورة تثبت كلامي. فهل أرسلها للوالد؟ وأخاف لو أرسلتها أن تحدث مشاكل كبيرة نحن في غنى عنها.. خصوصا أني مقبل بعد شهر على دراسة المرحلة الجامعية ولا أريد أن أتعرض لضغط نفسي أكثر.. فما الحل؟!

أجاب عنها:
خالد عبداللطيف

الجواب

مرحبا بك أخي الكريم في موقع المسلم.. أصلح الله لك شأنك، ويسر أمرك كله.
مشكلتك – أخي - تتمثل في جانبين:
الأول: انحرافات أخيك الظاهرة التي تزعجك وتشوش على تركيزك فيما ينفعك.
والآخر: انتقاد أهلك لملازمتك البيت وتلفظهم عليك بسبب ذلك.
أخي الكريم
احمد الله تعالى واشكره على فضله أن حبّب إليك الخير، وكرّه إليك الشر، كما تؤكد بلسانك في رسالتك، وكما يدل عليه سياق شكواك.
واعلم أخي أن هذه علامة صلاح وفلاح، وأن من كان هذا شأنه فهو جدير بالتوفيق وعناية المولى سبحانه، ولكنه جل وعلا كتب علينا في هذه الدنيا الابتلاء، فقال تعالى في مطلع سورة العنكبوت: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.
وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: "يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه.." الحديث.
فهذه الدنيا أخي دار امتحان وبلاء؛ فمن أصلح فيها ما بينه وبين الله أصلح الله له دنياه وأخراه جميعا، قال جل وعلا في سورة النحل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
فأنت أخي بين نعمة تشكرها من الدين والعافية والأمن وغيرها من وجوه الخير، وبين ابتلاء تصبر عليه مثل ما تقصه وتشتكي منه.
وما بين الشكر والصبر تطيب حياتك، وتستشعر حلاوة الإيمان؛ مصداقا لقول نبيك صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر وكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" (رواه مسلم).
فهذه الوصايا الإيمانية العظيمة الكريمة أخي هي زادك وسلاحك الأول في مواجهة هذه المحن التي تواجهها، مع نظرك لمحن الناس وابتلاءاتهم؛ فشأنك – ولله الحمد – أهون من كثيرين.
أما الوصايا العملية تجاه ما تعانيه؛ فأوصيك أخي بما يلي:
أولا: بخصوص انحرافات أخيك (هداه الله):
اسلك دون تردد أو تلكؤ سبيل النصح المباشر له تجاه هذه المنكرات.. التي لا شك في أن أشدها وأخطرها معاقرة الخمر؛ فهي أم الكبائر والعياذ بالله تعالى.
فحذره من أخطارها الدينية والدنيوية، وأشعره بأنك لن ترضى لأخيك بالاستمرار في شربها حتى لو لم تجد سبيلا إلا مصارحة الأهل؛ فلعل في ذلك ما يردعه بعون الله تعالى.
فإذا لم ينفع ذلك معه بعد تكرار المحاولة.. فلا تتردد في مصارحة الأهل لاستنقاذه من شرها؛ فمهما ترتب على ذلك من غضب وعواقب فهي أهون من سقوطه صريعا لإدمانها فهي تجره إلى المنكرات كلها؛ فضلا عن إتلافها لصحته.
وأما ما يتعلق بالتدخين والتفحيط؛ فمع أن شأنهما أخف من الخمر، لكنهما بدروهما يجران إلى مفاسد دينية ودنيوية عديدة؛ فالتدخين من الخبائث التي تفسد صحة الإنسان وماله، وقد حرم الله على عباده الخبائث كلها.
وأما التفحيط فشره وخطره معروف، وكم من البيوت ابتليت بفقد عزيز بسبب هذه الهواية العاتية التي يتجاوز ممارسوها حدود المتعة واللهو المباح إلى العدوان وتهديد الأرواح.
فاستعن بالله أخي في نصح أخيك والتركيز بداية على مشكلة شرب الخمر؛ وإخبار الأهل إذا لم تبدر منه بادرة تأثر بنصحك.. فإذا أقلع عنها في نهاية الأمر تكون المرحلة التالية هي مناصحته في شأن التدخين والتفحيط وأي مفاسد ومنكرات أخرى.
ومن جهة أخرى أخي الفاضل:
فيما يتعلق بشكواك من انتقاد أهلك لملازمة البيت وتلفظهم عليك بالتشبيه بالنساء بسبب ذلك: أرى أخي أنك بالغت في هذا الأمر؛ فالغالب في البيوت أن يحدث مثل ذلك من أخذ ورد وشيء من التهكم؛ كما أن نظرة أهلك للأمور قد تختلف عن نظرتك؛ فاجعل الأمر في إطاره.. وتواصل معهم بالبر والبشاشة، وأوضح لهم مبرراتك في تحاور ودود.
وأوصيك أخي وصية جامعة لكل ما تشتكيه:
لتكن نظرتك إلى شأنك أخي من منطلق واحد وهو مرضاة ربك عز وجل:
حين تنصح أخاك بلطف وحكمة ولهجة محب مشفق، وحين تصبر على ما قد تلقاه منه من أذى أو إساءة، أو حين تسمع من أهلك بعض ما يحزنك؛ فتحتسب ذلك كله لله تعالى، مستشعرا الفضل العظيم للصبر الجميل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}!
وحين تنطلق رغم الصعاب مستعينا بالله تعالى.. في حياتك العلمية والعملية تطلب النجاح ونفع الأمة، وأنت مع ذلك شاكرٌ لأنعم الله عليك من الإيمان والهداية وحب الخير والصلاح؛ ولله الحمد والمنة.
أسأل الله سبحانه أن يقرّ عينك بهداية أخيك، وصلاح شأنك وشأنه، وأن يجمع شملكما بأهلكما على الخير والبر.