
وقّعت هيئة علماء المسلمين في العراق مع قوى وطنية وفصائل المقاومة والثورة إلى جانب عدد من التيّارات الشبابية العراقية؛ اتفاقًا بشأن موقفها مما أعلنت عنه حكومة العبادي عزمها عقد مؤتمر للمصالحة في منتصف شهر فبراير الجاري.
وأكّد بيان أصدرته هذه القوى مطلع الأسبوع الجاري؛ أن التجربة التي مرت بالعراق طوال السنوات العشر الماضية لحكومتي المالكي الأولى والثانية ومن قبلهما حكومة الجعفري؛ أسهمت في فقدان الثقة تمامًا بأي طرف حكومي، مهما ألزم نفسه بتعهدات أو أعلن عن إصلاحات؛ لمبينة أن تلك الوعود أنها لم تكن سوى فارغة وكاذبة، استخدمتها الحكومات لتضليل الرأي العام ولكسب مزيد من الوقت في سبيل تمرير أجنداتها، وإكمال مسيرة المشروع الطائفي التي تشرف عليه طهران بشكل مباشر.
وفي هذا السياق؛ استعرضت القوى الموقعة على الاتفاق، الواقع المرير الذي يعيشه العراق اليوم، معلنة بوضوح عن الأسباب والشواهد التي جعلتها تقتنع تمامًا بعد مصداقية الأطراف الحكومية في قضايا المصالحة والإصلاح، كما وضعت شروطًا مهمة وطالبت بضمانات ألزمت الحكومة الحالية بتنفيذها قبل طرح أي مشروع، مؤكدة أنها متفقة على رفض أية مبادرة، أو المشاركة في أي مؤتمر لا تتوافر فيهما هذه الضمانات.
وفيما يأتي نص الاتفاق:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
اجتمعت القوى العراقية، وقوى من فصائل المقاومة والثورة والتيارات الشبابية ذات المشروع الوطني المشترك، في لقاء موسع لتدارس ما أعلنت عنه حكومة العبادي من عزمها على عقد مؤتمر للمصالحة في منتصف شهر شباط الجاري.
وفي الوقت الذي نؤكد فيه بأن المصالحة الحقيقية هي خط الشروع الصحيح لبناء أي دولة تسود فيها قيم العدالة والمساوة، وتحقق الاستقرار والتوازن وتصنع الازدهار والتقدم؛ فإننا بهذه المناسبة نبين أن تجربتنا طوال السنوات العشر الماضية لحكومتي المالكي الأولى والثانية ومن قبلهما حكومة الجعفري أفقدتنا الثقة تماما بأي طرف حكومي، مهما ألزم نفسه بتعهدات، أو أعلن عن إصلاحات؛ لأنها لم تكن ـ بحسب التجربة ـ سوى وعود فارغة، وادعاءات كاذبة، كانت الحكومات ـ ومازالت ـ تطلقها، لتضليل الرأي العام الدولي، ولكسب مزيد من الوقت في سبيل تمرير أجنداتها، وإكمال مسيرة المشروع الطائفي التي تشرف عليه طهران بشكل مباشر، ويحظى بمباركة الولايات المتحدة الأمريكية، وصمت المجتمع الدولي.
ولذا فإنه منذ إطلاق أول مبادرة حكومية للمصالحة سنة 2005 وحتى الآن لم يحصل أي تغير في السلوكيات الإقصائية والإلغائية والاستئصالية التي تنتهجها الحكومة في حكم البلاد.
وهذا الاعتقاد الجازم نابع مما يأتي:
أولاً: عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه في مؤتمري القاهرة اللذين عقدا برعاية الجامعة العربية، وبرعاية دولية سنة 2005 ,2006 وكذلك عدم العمل بمضمون وثيقة مكة التي رعتها منظمة التعاون الإسلامي في السعودية سنة 2006 وتم التوقيع عليها في الحرم المكي، وبجوار بيت الله العتيق.
ثانياً: عدم الالتزام بأي من الاتفاقات التي أبرمتها الحكومة نفسها مع شركائها السياسيين لا سيما اتفاق أربيل الذي تشكلت ـ في ضوئه ـ حكومة المالكي الثانية سنة 2010، وكذلك وثيقة الاتفاق السياسي سنة 2014 التي تشكلت إثرها حكومة العبادي الحالية رغم مرور ستة أشهر عليها.
ثالثاً: المعايير المزدوجة التي استخدمتها الحكومات المتعاقبة في احتضان ودعم الميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران من جهة، والتصدي للنشاطات الشعبية السلمية الرافضة للسياسات الحكومية الفاسدة والطائفية من جهة أخرى لا تدعو إلى الثقة بان هذه الحكومة صادقة النوايا في بناء دولة وطنية قائمة على العدل والمساواة.
رابعاً: عدم إصغاء الحكومة السابقة والحالية للمتظاهرين والمعتصمين في المحافظات الست المنتفضة رغم سلمية الاعتصامات وحضاريتها ولمدة سنة كاملة، بل قابلت ذلك بالصد والرد وكيل الاتهامات، وإصدار أوامر إلقاء القبض بحق قادة الاعتصامات ومن ثم الانقضاض بوحشية على الساحات بالآلة العسكرية الثقيلة، وحرقها، وقتل عدد كبير من المعتصمين فيها، كاقتحام ساحة الحويجة والموصل والفلوجة ومجزرة جامع سارية في ديالى، واقتحام ساحة العزة والكرامة في الرمادي التي أشعلت نار الحرب في البلاد.
خامساً: تواصل الحكومة الحالية في مسلسل التطهير الطائفي، بواسطة أجهزتها العسكرية والأمنية، وميليشيات ما يسمى بـ "الحشد الشعبي"، وعلى نحو أنكى مما كان عليه الحال في حكومة المالكي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب نفسها التي باتت سيفا مسلطا على رقاب المدنيين الأبرياء وأمور أخرى لا يسع المجال لذكرها.
وبناءً على ما تقدم فإن على الحكومة الحالية قبل طرح أي مشروع أن تقوم بإطلاق مبادرات تدل على وجود حسن نية لديها من أجل حل عادل لجميع المشكلات، وذلك من خلال الإعلان عن استجابتها للمطالب المعروفة التي نادى بها المعتصمون، وقدمت إليها رسميا عبر الوسطاء، واطلاق حزمة من الإجراءات والقوانين الدالة على شروعها في تنفيذ هذه المطالب، كما عليها أن توقف فورا القصف المتعمد على المدن، وأن تبدأ حملة جدية لإغاثة المهجرين، وإسكانهم لحفظ كرامتهم، والسماح بعودتهم إلى ديارهم، وتعويض المتضررين منهم بشكل فوري، والتخلي عن سياسة التغيير الديمغرافي المتبعة في عموم أنحاء العراق ولا سيما في مناطق حزام بغداد وجرف الصخر وديالى والموصل، وإيقاف اقتطاع الأراضي من محافظتي الأنبار وصلاح الدين المبنية على أسس طائفية بحتة.
كما لابد من التأكيد على أن الحكومة بوضعها الذي ذكرناه غير مؤهلة لقيادة أي مشروع للمصالحة بسبب غياب الثقة فيها؛ ولأنها جزء من المشكلة إن لم تكن الداء كله الذي أودى بالسلم الأهلي والتعايش المجتمعي؛ لذلك فإن مبادرة على هذا النحو بحاجة إلى عقد مؤتمر كبير برعاية دولية، ومشاركة عربية وإسلامية واسعة، وبضمانات دولية ملزمة، ونعتقد أن الاتحاد الأوربي يمكن أن يكون محورا رئيسا وضامنا مهما لإنجاح هكذا مشروع، وفي ضوء ما تقدم فإن القوى العراقية الموقعة على هذا البيان، متفقة على رفض أية مبادرة، أو المشاركة في أي مؤتمر لا تتوافر فيهما هذه الضمانات.