أبناؤنا نعمة من الله سبحانه وتعالى , وزينة من زينة الحياة الدنيا , ومعونة وردء وعون لنا في الشدائد والكروب , وراحة نفسية وقرة عين عند استقامتهم ونضوجهم وصلاحهم .
لكنهم ايضا شقاء ونقمة , وبلاء وفتنة , ومسئولية ثقيلة , وهم بالليل والنهار , وقلق وألم , إن هم انحرفوا وتنكبوا الجادة , وعصوا ربهم , واتبعوا الشهوات , وقعدوا عن الإيجابية .
يقول الغزالي :
" الصبي أمانة عند والديه , وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة , خالية ن كل نقش وصورة ,وهو قابل لكل ما نقش عليه , ومائل إلى كل ما يمال به اليه , فإن عود خيرا وعلمه نشأ عليه , وسعد في الدنيا والآخرة ابواه , وغن عود شرا وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك , وكان الوزر في رقبة القائم عليه "
لقد حذر الله أهل الإيمان من فتنة المال والولد ، وأخبرهم أن من أولادهم وأزواجهم من هو عدو لهم، وذلك في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
قال البغوي عند تفسير هذه الآية : " وقال عطاء بن يسار : نزلت في عوف بن مالك الأشجعي : كان ذا أهل وولد ، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه ، وقالوا : إلى من تدعنا؟ فيرق لهم ويقيم ، فأنزل الله : ﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ ﴾ بحملهم إياكم على ترك الطاعة ، فاحذروهم أن تقبلوا منهم ".
وتأمَّلوا : لما ذكر الله العداوة أدخل ﴿ مِنْ ﴾ للتبعيض ، فقال : ﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ ﴾ ، لأن ليس كل الأهل أعداء ، ولم يذكر ﴿ مِنْ ﴾ في قوله : ﴿ إَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ لأنه لا تخلو الزوجة والولد من الفتنة واشتغال القلب بها.
فعداوتهم لكونهم ربما أبعدوا المؤمن عن سبيل ربه , ودفعوه إلى الشهوات , والارتكان للدنيا ومحباتها , والمراد بهذه العداوة أن الإنسان يلتهي بهم عن العمل الصالح، أو يحملونه على الخطأ ، أو الوقوع في المعصية، فيستجيب لهم بدافع المحبة لهم , فالأزواج والأولاد قد يكونون مشغلة وملهاة عن ذكر الله ، كما أنهم قد يكونون دافعا للتقصير في تبعات الإيمان ، اتقاء للمتاعب التي تحيط بهم لو قام المؤمن بواجبه ,
ولهذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
وهي آية من سورة المنافقين التي سردت صفات المنافقين وأحوالهم ، ثم تحذير المؤمنين من الوقوع في ما وقعوا فيه من الانشغال بهم عن الآخرة والتفريط في صالح الأعمال ، وأخذ المال من حل وحرمة ؛ تحت ذريعة توفير الراحة والسعادة للأهل والأولاد.
قال الزجاج : " أعلمهم الله عز وجل أن الأموال والأولاد مما يفتنون به ؛ وهذا عام في جميع الأولاد ، فإن الإنسان مفتون بولده ؛ لأنه ربما عصى الله تعالى بسببه ، وتناول الحرام لأجله ، ووقع في العظائم إلا من عصمه الله تعالى " .
وفي الحديث " إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة محزنة " أخرجه أحمد
فهو مبخلة تدفعه إلى البخل عن الإنفاق لله سبحانه بحجة حاجة الولد لهذا المال , فهو يحتاجة وهو صغير لينفق عليه , ثم يحتاجه وهو شاب ثم عند زواجه وهكذا .
وهو مجبنة لأنه يدفعه إلى الجبن وترك كلمة الحق و حبنا خوفا أن يصيبه أذى فيترك ولده وحيدا يتيما لا عائل له , أو أن يلحقه سوء أو يلحق ولده .
وهو مجهلة كونه يدفعه للقعود بجواره غافلا عن تعلم العلم بأنواعه .
وهو محزنة عند إصابته بمرض أو أذى أو ضرر, وعند غيابه , وعند غضبه , فيصيب الوالدين بالغم والهم والحزن ولا ينعمان بالراحة إلا عند راحته وذهاب حزنه .
وفي ذلك تحذير لأن الجبن والبخل من الأدواء المذلة، ولهذا أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منهما"، اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل".البخاري
وقد يصل الأثر السىء للأبناء إلى درجات سلبية للغاية , يقول سبحانه في قصة الخضر :" "فأما الغلام فكان أبواه مؤمِنَيْن فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً".
روى الترمذي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل صلى الله عليه وسلم فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله عز وجل: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة"، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما"، ثم أخذ في خطبته.
وكم من امرىء تساهل في كسب الحرام , وأكله وشربه لأجل أبنائه وزوجته , وهذه من أخطر الصور وأضرها على المرء وعلى أهله وأولاده، ولهذا عندما رأى رسولنا الحسن يرفع تمرة من تمر الصدقة المحرمة على رسول الله وآله إلى فيه، قال له: "كخ كخ" حتى رماها؛ وعندما علم أبوبكر أن غلامه تكهن وأتاه بطعام تقيأه بعد ما أدخله في فيه، وقال: لو لم يخرج إلا مع نفسي لأخرجته.
وكثير ن الناس تسيطر عليه عواطف المحبة لأبنائه , فيكون جل اهتمامه من الدنيا تلبية احتاجاتهم ومحباتهم ورغباتهم, ثم هو يقصر كثيرا في واجباته تجاه ربه سبحانه .
وآخرون يقدمون أبناءهم ورغباتهم على آبائهم وأمهاتهم , تقديما يضر بنفسية الوالدين , ويقلل من برهما والإحسان إليهما .
فلنتق الله في أبنائنا و ولنحسن إليهم وفقا لما أمر الله سبحانه به , ولنتوسط في حبهم , ولنقدم محبات الله سبحانه وواجباته على محبتهم وواجباتهم , ولنستدعي الحكمة في سلوكياتنا تجاههم ومعهم وفيما يخصهم .