1 شعبان 1436

السؤال

قضاء من أفطر في رمضان بعذر

أجاب عنها:
عبد العزيز الراجحي

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فمن أفطر في رمضان بعذر كمرض، أو سفر، أو حيض، أو نفاس جاز له تأخير القضاء إلى شعبان مطلقا ما لم يجئ رمضان, سواء كان لعذر ، أو لغير عذر في قول جمهور العلماء، وهو الصواب, لما ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: كان يكون علي الصوم من رمضان, فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان قال يحيى الشغل من النبي، أو بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يأتي شعبان .
ولولا أن ذلك جائز لم تواظب عائشة عليه, لكن يستحب المبادرة بقضائه, فإن ظاهر صنيع عائشة - رضي الله عنها- يقتضي إيثار المبادرة إلى القضاء لولا ما منعها من الشغل, فيشعر بأن من لم يكن له عذر ينبغي له المبادرة؛ ولأن المبادرة بالقضاء فيه الاحتياط للدين؛ ولأنه أسرع في براءة الذمة.
ولا يجوز تأخير القضاء إلى رمضان, فإن أخر بعذر بأن اتصل عجزه ولم يتمكن من الصوم حتى جاء رمضان فلا شيء عليه؛ لأن الله - تعالى - يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
ويؤخذ من حرص عائشة على قضاء ما عليها من الصوم في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر.
وإن فرّط حتى جاء رمضان, فإن عليه أن يصومه بعد رمضان الثاني, وليس عليه إطعام لقول الله - تعالى - فيمن أفطر: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
وهذا قول جمهور العلماء لكن عليه التوبة والاستغفار، وهو قول بعض الصحابة.
وقال بعض العلماء: إذا فرَّط بأن قدر على الصيام ولم يصم حتى جاء رمضان الآخر, فإنه يصوم ما عليه من الأيام بعد رمضان الثاني، ويطعم عن كل يوم مسكينا, وأفتى بذلك بعض الصحابة من باب الاجتهاد والتأديب لهذا المفرط، وهو اجتهاد حسن.
وقال داود الظاهري تجب المبادرة بقضاء ما عليه من الصوم من رمضان من أول يوم العيد من شوال، وهذا القول غير صحيح لمصادمته لحديث عائشة هذا الذي رواه الشيخان, فإن اطلاع النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك ، وتقريرها عليه يدل على عدم الوجوب, فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقر على ترك الواجب.
ويجوز قضاء رمضان متتابعا ومتفرقا في قول جمهور العلماء، وهو الصواب لقول الله - تعالى - : (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لا بأس أن يفرق، وهذا هو الحق كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما -: أنه يجوز التفريق في قضاء رمضان؛ لأن الله أوجب في القضاء عدة الأيام ولم يشترط التتابع. لكن التتابع حسن.
وقال جماعة من الصحابة والتابعين وأهل الظاهر بوجوب التتابع, واستدلوا بحديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من كان عليه صوم رمضان فليسرده، ولا يقطعه .
لكنه حديث لا يصح فلا حجة فيما دل عليه من وجوب التتابع, ولو صح فهو محمول على الاستحباب جمعا بينه وبين إطلاق الآية الكريمة: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وخروجا من الخلاف وشبهه بالأداء؛ ولأن الله - تعالى - لما رخص للمسافر والمريض بالفطر قال بعد ذلك: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
والله الموفق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.