أعبد الناس ..
13 شعبان 1436
د. خالد رُوشه

ليس أعبد الناس من أكثر من العبادات بغير علم , ولا من بحث عن اشقها عليه فقام بها , ولا من منع نفسه عن المباحات , ولا من أعرض عن الرخص التي شرعها الله سبحانه .

 

قد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبداً , وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر , وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً , فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " متفق عليه .

 

وعن عبد الله بن عباس قال  : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت جويرية حين صلاة الصبح ، وكان اسمها برة فسماها جويرية كره أن يقال : خرج من عند برة ، قال ابن عباس : فخرج من عندها حين صلى الصبح ، ثم رجع إليها بعدما تعالا النهار ، وهي جالسة في مصلاها ، فقال لها : " لم تزالي في مجلسك هذا ؟ " قالت : نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد قلت بعدك أَربع كلمات ثلاث مرات لو وزن بجميع ما قلت لوزنتهن ، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته " أخرجه أحمد والنسائي وابو داود .

 

إنما أعبد الناس من اتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه , وأخلص لربه سبحانه وتعالى , فاكتمل عنده الاخلاص والمتابعة , وهما شرطا قبول العمل .

 

أعبد الناس من استطاع أن يمنع نفسه عما حرم الله سبحانه , فإن فعل الطاعات والنوافل قد يمكن لكثير من الناس و لكن فعلها مع ترك المنكرات لا يسهل إلا للصادقين العابدين .

 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتق المحارم تكن أعبد الناس " رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني. (1)

 

فترك المحرمات رقي عند الله سبحانه في مراتب العبودية , إذ قد جاهد المؤمن نفسه , وخالف هواه , وكبح جماح رغباته خشية لله وابتغاء مرضاته , قالت عائشة رضي الله عنها: "من سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف عن الذنوب" (2)  , وقال الحسن البصري: "ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه" (3)

------------------------------
(1) انظر : صحيح الترمذي : 2305 , السلسلة الصحيحة: 930, صحيح الترغيب2567
(2) ابن المبارك في الزهد 67
(3) المقصود من تفضيل ترك المحرمات على فعل الطاعات، إنما أريد به نوافل الطاعات.